يا معاوية ، علام تقاتل هذا الرجل؟ فو الله لهو أقدم منك سلما (إسلاما) وأحقّ بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبيّ صلىاللهعليهوآله فعلام تقاتله؟!
فقال لهم : اقاتله على دم عثمان وأنه آوى قتلته ، فقولوا له : فليقدنا من قتلته فأنا أول من يبايعه من أهل الشام!
فانطلقوا إلى علي عليهالسلام فأخبروه بقول معاوية.
فهنا يتكرّر في الخبر ما مرّ من رؤية أبي مسلم الخولاني الهمداني في المسجد الجامع بالكوفة أكثر من عشرين ألفا كلّهم يقولون : كلّنا قتلته ، فإن شاءوا فليروموا ذلك منّا!
فرجع أبو أمامة وأبو الدّرداء ، واعتزلا القتال فلم يشهداه (١).
__________________
(١) وقعة صفين : ١٩٠ ، وهنا مرة اخرى «حتى إذا كان شهر رجب» ويعود الكلام فيه كما في سوابقه. وذكر الخبر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ١٠٨ باسم أبي الدرداء وأبي هريرة بدل أبي إمامة وأنّهما كانا في حمص ومعاوية بصفّين فأتياه ثمّ أتيا عليا عليهالسلام ، بتفصيل طويل وفيه : إن معاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان. فقال علي عليهالسلام : أتعرفانهم؟ قالا : نعم! قال : فخذاهم. فأرادا الأشتر وعمارا وابن أبي بكر (وهو كان في مصر يومئذ) فخرج لهما أكثر من عشرة آلاف رجل (أقرب للقبول) فقالوا : نحن قتلنا عثمان. فانصرفا إلى منزلهما بحمص.
وكان عبد الرحمن بن عثمان في حمص واطّلع على طلعتهما ورجعتهما فراجعهما وسألهما عن مسيرهما فقصّا عليه القصة فقال لهما : أتأتيان عليا وتطلبان إليه قتلة عثمان؟! وقد علمتما أن المهاجرين والأنصار لو كانوا يحرّمون دم عثمان لنصروه ولما بايعوا عليا على قتله له! وأعجب من ذلك : رغبتكما عمّا صنعوا وقولكما لعليّ : أن يخلعها عن عنقه ويردّها شورى ، وانتما تعلمان أن من بايعه خير ممن لم يبايعه ومن رضى به خير ممّن كرهه! ثمّ أنتما صرتما رسولي رجل من الطلقاء لا تحل له الخلافة؟!
ففشا قولهما وقوله لهما حتى بلغ معاوية ، فهمّ بقتله لو لا خوفه من عشيرته!