من أصحابك ، فيحكمان بما في كتاب الله بيننا ، فإنه خير لي ولك! وأقطع لهذه الفتن! فاتّق الله فيما دعيت له ، وارض بحكم القرآن إن كنت من أهله! والسلام».
فكتب إليه الإمام عليهالسلام : «من عبد الله علي أمير المؤمنين ، إلى معاوية بن أبي سفيان ، أما بعد ، فإنّ أفضل ما يشغل به المرء نفسه اتّباع ما يحسن به فعله ويستوجب فضله ويسلم من عيبه ، وإن البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه ، ويبديان من خلله عند من يغنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره ، فاحذر الدنيا ، فإنه لا فرح في شيء وصلت إليه منها! ولقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته. ولقد رام قوم أمرا بغير الحق فتأوّلوا على الله تعالى فأكذبهم ، ومتّعهم قليلا ثمّ اضطرّهم إلى عذاب غليظ. فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله ، ويندم فيه من أمكن الشيطان من قياده ولم يحادّه ، فغرّته الدنيا واطمأنّ إليها.
ثمّ إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن! ولقد علمت أنّك لست من أهل القرآن ولست حكمه تريد! والله المستعان ، وقد أجبنا القرآن إلى حكمه ولسنا إياك أجبنا ، ومن لم يرض بحكمه فقد ضلّ ضلالا بعيدا» (١).
فكأنّ معاوية أجاب الإمام برسالة فيها : «أما بعد ، عافانا الله وإياك! فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا وألفة بيننا! وقد فعلت وأنا أعرف حقّي! ولكنّي اشتريت بالعفو صلاح الأمة! ولا أكثر فرحا بشيء جاء ولا ذهب (جوابا لقول الإمام : فإنه لا فرح في شيء ...) وإنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحقّ فيما بين الباغي والمبغيّ عليه! (عثمان وقاتليه) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا وبينك ، فإنّه لا يجمعنا وإيّاك إلّا هو! نحيي ما أحيا القرآن ونميت ما أمات القرآن! والسلام» (٢).
__________________
(١) وقعة صفين : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.
(٢) وقعة صفين : ٤٩٧ ـ ٤٩٨.