يا هؤلاء ، إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم أنّ القوم سألوكموها مكيدة ودهنا ، فأبيتم عليّ إباء المخالفين ، وعدلتم عنّي عدول النكراء العاصين ، حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم ... فلم آت حراما لا أبا لكم!
والله ما ختلتكم عن أموركم ، ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ، ولا أوطأتكم عشوة ، ولا دنّيت لكم الضرّاء ، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا ، فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه ، فتاها وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما ، وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والصمد للحق من سوء رأيهما وجور حكمهما ، والثقة بأيدينا حين خالفا سبيل الحقّ وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم.
فبيّنوا لنا بما ذا تستحلّون قتالنا والخروج من جماعتنا أن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم! إنّ هذا لهو الخسران المبين ، والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام (١)!
وقال لهم : أكلّكم شهد معنا صفّين؟ فقالوا : ومنّا من لم يشهد. فقال عليهالسلام : فليكن من شهد صفّين فرقة ومن لم يشهدها فرقة ، حتّى اكلّم كلّا منكم بكلامه (فافترقوا ، فقال لمن كان معه في صفّين) : ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكرا وخديعة : إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله
__________________
ـ وأظنّ الإضافة من موضع آخر ولغير خوارج النهروان فإنّها لا تنسجم مع ما أخبر به عنهم وتحقّق أن سوف لا يبقى منهم إلّا دون العشرة ، فهل هذا الوعيد لهم؟ ولم أجد من تنبّه له.
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٨٤ عن أبي مخنف ، ونقل شطره نهج البلاغة خ ١٧٧.