وكتب إلى ابن عباس بالبصرة : أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت! وقد استشهد محمد بن أبي بكر ، فعند الله نحتسبه ، وقد كنت تقدّمت إلى الناس في بدء الأمر قبل الوقعة بإغاثته ، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا ، فمنهم الآتي كارها ومنهم المعتلّ كاذبا ومنهم القاعد خاذلا! فأسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا ومخرجا ، وأن يريحني منهم عاجلا! فو الله لو لا طمعي عند لقاء عدوّي في الشهادة ، وتوطيني نفسي على المنيّة لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا! عزم الله لنا على تقواه وهداه. إنّه على كلّ شيء قدير ، والسلام.
فأجابه ابن عباس أوّلا : سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر وهلاك محمّد بن أبي بكر ، وأنّك سألت ربّك أن يجعل لك من رعيّتك التي ابتليت بها فرجا ومخرجا! وأنا أسأل الله أن يعلي كلمتك وأن يعينك بالملائكة عاجلا. وأعلم أنّ الله صانع لك ومعزّك ومجيب دعوتك وكابت عدوّك. واخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربما تباطئوا ثمّ نشطوا ، فارفق بهم يا أمير المؤمنين ودارهم ومنهم ، واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهمّ ، والسلام.
وكأنّه علم بعظم همّ الإمام عليهالسلام وغمّه بفقد محمّد وسقوط مصر فلم ير العزاء بالكتاب كافيا حتّى رحل من البصرة إلى علي عليهالسلام فعزّاه بمحمّد بن أبي بكر رحمهالله (١).
وانصرف الإمام عليهالسلام من الصلاة فقال شعرا :
لقد عثرت عثرة لا أعتذر |
|
سوف أكيس بعدها واستمر |
وأجمع الشمل الشتيت المنتشر |
__________________
(١) الغارات ١ : ٢٩٤ ـ ٣٠١ ، وفي الطبري ٥ : ١٠٨ ـ ١١٠ عن أبي مخنف بسنده ، واختصر الخبر بل اختزله البلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ، وفي نهج البلاغة ذيل خ ٣٩ ، ومصادرها في المعجم : ١٣٨٢.