فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم ، وكنتم أوّل المؤمنين ، تعرفون وجهه وشعبه وعمارته ، فعلّمكم الكتاب والحكمة ، والفرائض والسنّة ، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات بينكم ، وأن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ، وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ، وأمركم أن تعاطفوا وتبارّوا وتباذلوا وتراحموا ، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغي ، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان ، وتقدّم إليكم فيما أنزل عليكم أن لا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما ، وأن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين ، وكلّ خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به ، وكلّ شرّ يباعد من الجنّة ويدني من النار نهاكم عنه.
فلمّا استكمل مدّته من الدنيا توفّاه الله إليه سعيدا حميدا ، فيا لها مصيبة خصّت الأقربين وعمّت جميع المسلمين. ما اصيبوا بمثلها قبلها ولن يعاينوا اختها بعدها.
فلمّا مضى لسبيله صلىاللهعليهوآله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالى أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد عن أهل بيته ، ولا أنّهم منحّوه عنّي من بعده! فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه! فأمسكت يدي (عن البيعة له) وأنا أرى أنّي أحقّ بمقام رسول الله في الناس ممّن تولّى الأمر من بعده ، ولبثت بذلك (الامتناع) ما شاء الله حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محقّ دين الله وملّة محمد وإبراهيم عليهماالسلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما تكون مصيبته عليّ أعظم من فوات ولاية أموركم التي هي متاع أيّام قلائل ثمّ يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشّع السحاب ، فعند ذلك مشيت إلى أبي بكر فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق ، وكانت كلمة الله