هي العليا ولو كره الكافرون. وتولّى أبو بكر تلك الأمور : فيسّر وشدّد وقارب واقتصد ، فصحبته مناصحا وأطعته ـ فيما أطاع الله ـ جاهدا.
وما طمعت أن لو حدث به حدث ـ وأنا حيّ ـ أن يردّ إليّ الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه! ولو لا خاصّة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنّه لا يدفعها عني!
فلمّا احتضر بعث إلى عمر فولّاه! فسمعنا وأطعنا وناصحنا.
وتولّى عمر الأمر فكان مرضيّ السيرة ميمون النقيبة (١).
حتّى إذا احتضر قلت في نفسي : لن يعدلها عنّي! فجعلني سادس ستة! ما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهية منهم لولايتي عليهم (لأنّهم) كانوا يسمعونني أقول عند وفاة الرسول احاجّ أبا بكر : «يا معشر قريش ، إنّا ـ أهل البيت ـ أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن ، ويعرف السنّة ، ويدين دين الحقّ» فخشى القوم إن أنا ولّيت عليهم أن لا يكون لهم ما بقوا نصيب في الأمر! فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها : رجاء أن يناولوها ويتداولوها ، إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي! ثمّ قالوا لي : هلمّ فبايع وإلّا جاهدناك! فبايعت مستكرها ، وصبرت محتسبا.
وقال قائلهم : يا ابن أبي طالب ، إنّك على هذا الأمر لحريص! فقلت : أنتم أحرص مني وأبعد : أأنا أحرص إذ طلبت تراثي وحقّي الذي جعلني الله ورسوله أولى به؟! أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه؟! فبهتوا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٢).
__________________
(١) ظاهرا عند الناس نسبيّا ولا سيّما بالنسبة لمن بعده.
(٢) البقرة : ٢٥٨.