قتل ذلك الجيش كلّه ، فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم! وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين.
ثم إني نظرت في أهل الشام فإذا أحزاب أعراب أهل طمع ، جفاة طغام ، يجتمعون من كل أوب! ومن كان ينبغي أن يؤدّب ويدرّب ، أو يولّى عليه ويؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين لهم بإحسان. فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة ، فأبوا إلّا شقاقا ونفاقا ، ونهضوا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح. فهناك نهدت إليهم بالمسلمين (في صفين) فقاتلتهم.
فلما عضّهم السلاح ووجدوا ألم الجراح «رفعوا المصاحف» يدعونكم إلى ما فيها! فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن! وأنهم رفعوها مكيدة وغدرا ، وخديعة وو هنا وضعفا ، فامضوا على حقكم وقتالكم! فأبيتم عليّ وقلتم : اقبل منهم ، فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحقّ ، وإن أبوا كان أعظم لحجّتنا عليهم. فقبلت منكم وكففت عنهم إذ أبيتم وونيتم. وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيا القرآن ويميتان ما أمات القرآن!
فاختلف رأيهما وتفرق حكمهما ، ونبذا ما في القرآن وخالفا ما في الكتاب ، فجنّبهما الله السداد ودلّاهما في الضلال! فنبذا حكمهما (القرآن والسنة) وكانا أهله!
واعتزلت فرقة منّا (وانقطعت عنّا) فتركناهم ما تركونا ، حتّى إذا عثوا في الأرض يقتلون ويفسدون ، فأتيناهم وقلنا لهم : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثمّ كتاب الله بينكم وبيننا! فقالوا : كلّنا قتلهم وكلّنا استحلّ دماءهم ودماءكم! وشدّت علينا خيلهم ورجالهم ، فصرعهم الله مصارع الظالمين (١).
__________________
(١) إلى هنا عن المسترشد للطبريّ الإمامي ق ٤ : ٤٠٩ ـ ٤٢٧ عن الشعبي ، عن شريح بن هاني ، قال : خطب بها ثمّ قال : «وإنّي مخرج بها إليكم كتابا» بزيادات منها : النساء