هذا وقد عاد جارية بن قدامة إليه وابن عباس لا زال عنده فاستشار الإمام في رجل يولّيه أمر فارس.
فقال له جارية بن قدامة : يا أمير المؤمنين ؛ ألا أدلّك على رجل صليب الرأي عالم بالسياسة كاف لما ولي؟ قال عليهالسلام : من هو؟ قال : زياد. وقال ابن عباس : أنا أكفيك فارس.
وعاد ابن عباس إلى البصرة فوجّه زيادا في أربعة آلاف فارس ، وهي تضطرم نارا ، فلم يقف وقفا للحرب ، إلّا أنّه لما قدم فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من نصره منهم ومنّاهم ، وخوّف قوما وتوعّدهم ، حتّى دلّه بعضهم على عورة بعض ، فضرب بعضهم ببعض ، حتّى هربت طائفة وأقامت اخرى ، وقاتل بعضهم بعضا ، فصفا له أهل فارس من دون أن يلق فيها حربا ولا جمعا.
ثمّ مضى إلى كرمان وفعل فيها مثل ما فعل في فارس ، وسار في كورها ومنّاهم ، ثمّ عاد إلى فارس وقد سكن له الناس واستقامت له البلاد.
فنزل في اصطخر واختار بينها وبين بيضائها منطقة بنى بها قلعة وحصّنها ، وحمل الأموال إليها وتحصّن فيها ، وسمّيت قلعة زياد (١).
وكتب إليه معاوية يدعوه إليه ويتهدده ، فذكر بعض البصريين أن زيادا كتب إلى معاوية : أما بعد ، فقد بلغني كتابك يا ابن بقيّة الأحزاب! وابن عمود النفاق! ويا ابن آكلة الأكباد! أتهدّدني وبيني وبينك ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله في سبعين ألفا ، سيوفهم قواطع ، ولئن رميت ذلك منّي لتجدنّي أحمر ضرّابا بالسيف (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٧ ـ ١٣٨ بأسناده.
(٢) الغارات ٢ : ٦٤٦ ـ ٦٤٨.