فبعث ذهل الذهلي إلى معقل يقول له : بعنا هؤلاء النصارى ، فقال : نعم بألف ألف (مليون) درهم ، فلم يزل يراوده حتّى توافقوا على خمسمائة ألف درهم (نصف المليون). وكان العمّال في كور فارس (شيراز) يحملون أموالهم إلى البصرة إلى ابن عباس فيبعثها إلى الإمام عليهالسلام ، وقال مصقلة : سأحمل المال إليه نجوما حتّى لا يبقى شيء منه إن شاء الله ، فقبل منه معقل.
وعمد مصقلة إلى نصارى قومه بني ناجية فأنجاهم من الأسر والسبي وخلّى سبيلهم من دون أن يسألهم أن يعينوه بشيء في فكاك أنفسهم!
وعاد معقل إلى الكوفة بجيشه ، وعاد جيش البصرة إليها ، وأخبر معقل الإمام عليهالسلام بما كان منه في ذلك فقال له الإمام : أحسنت وأصبت ووفّقت.
ولمّا بلغه أنّ مصقلة اعتق قومه ولم يسألهم المعونة قال : ما أرى مصقلة إلّا أنّه قد حمل حمالة سترونه عن قريب مبلدحا (منبطحا الأرض ـ عاجزا منها)!
ودعا أبا حرّة الحنفي (من بني حنيفة من تميم) وكتب معه إلى مصقلة : أمّا بعد فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأعظم الغش غش الأئمّة. وعندك من حقّ المسلمين : خمسمائة ألف درهم ، فابعث بها حين يأتيك رسولي ، وإلّا فأقبل إليّ حين تنظر في كتابي ، فإني تقدّمت إلى رسولي (أبي حرّة الحنفي) أن لا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك ، إلّا أن تبعث بالمال ، والسلام. وأبلغه الكتاب أبو حرّة الحنفي.
فلمّا أبلغه أبو حرّة الكتاب قال له : إن بعثت بالمال الساعة وإلّا فاشخص معي ؛ فأقبل معه حتّى نزل بالبصرة على ابن عباس فطلب إليه أن ينظره أيّاما فأنظره فأقبل من البصرة إلى الكوفة فأقرّه الإمام أيّاما ثمّ سأله فأدّى إليه مائتي ألف درهم معه! وكان ذهل بن الحارث الذهلي الوسيط بينه وبين معقل بن قيس لشراء الأسرى قد قدم الكوفة ، فلمّا أمسى دعاهم إلى رحله ، فقدّم عشاء ثمّ قال لذهل : إنّ أمير المؤمنين يسألني هذا المال ، والله لا أقدر عليه! فقال له ذهل الذهلي : لو شئت لجمعته في جمعة (اسبوع واحد) من قومك! فقال : والله ما كنت لأطلب فيها إلى أحد ولا احمّلها