أيّها الناس ، إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه ، وهو لباس التقوى ، ودرع الله الحصينة ، وجنّته الوثيقة ، فمن ترك الجهاد في الله ألبسه الله ثوب الذلّ ، وشمله البلاء ، وضرب على قلبه بالشبهات ، وديّث بالصغار والقماءة ، وأديل الحقّ منه بتضييع الجهاد ، وسيم الخسف ومنع النصف!
ألا وإنّي قد دعوتكم إلى جهاد عدوّكم ليلا ونهارا وسرّا وإعلانا ، وقلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا! فتواكلتم وتخاذلتم ، وثقل عليكم قولي فعصيتم ، واتخذتموه وراءكم ظهريّا ، حتّى شنّت عليكم الغارات في بلادكم ، وملكت عليكم الأوطان!
فهذا أخو غامد (سفيان بن عوف) قد وردت خيله الأنبار ، فقتل بها أشرس بن حسان (البكري) (١) وأزال مسالحكم عن مواضعها ، وقتل منكم رجالا صالحين ، وقد بلغني أنّ الرجل من أعدائكم كان يدخل بيت المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع خلخالها من ساقها ورعثها (زينتها) من أذنها فلا تمتنع منه ، ثمّ انصرفوا وافرين ، لم يكلم (يجرح) منهم رجل كلما! فلو أنّ امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا.
فيا عجبا ، عجبا والله يميث القلب ويجلب الهمّ ، ويسعّر الأحزان اجتماع هؤلاء على باطلهم ، وتفرّقكم عن حقّكم! فقبحا لكم وترحا! لقد صيّرتم أنفسكم غرضا يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ، ويفضى إليكم فلا تأنفون.
قد ندبتكم إلى جهاد عدوّكم في الصيف فقلتم : هذه حمّارة القيظ ، أمهلنا حتى ينسلخ عنّا الحرّ! وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ ،
__________________
(١) وفي نهج البلاغة : حسان بن حسان.