فقال لهم : إنّما مثلكم مثل الذين (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(١) قوموا فبايعوا. قالوا : أليس قد هلك أمير المؤمنين رحمة الله عليه فلمن نبايع رحمك الله! ولا ندري ما صنع الناس بعده. قال : وما عسى أن يصنعوا إلّا أن يبايعوا الحسن بن علي ، قوموا فبايعوا. فبايعوه للحسن عليهالسلام.
فخرج منها إلى المدينة ، وكان أهل المدينة بعد خروج أبي أيوب الأنصاري منها قد اصطلحوا على أبي هريرة الدوسي للصلاة بهم ، ولكنه لما بلغه توجّه جارية إلى المدينة توارى خوفا منه! ودخل جارية ولعلّه بلغته شماتة عائشة بقتل الإمام عليهالسلام فصعد منبرها فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر رسول الله فصلّى عليه ثمّ قال لهم :
أيّها الناس ، إنّ عليا رحمهالله ـ يوم ولد ويوم توفّاه الله ويوم يبعث حيا ـ كان عبدا من عباد الله الصالحين ، عاش بقدر ومات بأجل ، فلا يهنأ الشامتين هلاك سيد المسلمين وأفضل المهاجرين ، وابن عمّ النبي صلىاللهعليهوآله. أما والذي لا إله إلّا هو لو أعلم الشامت منكم لتقرّبت إلى الله عزوجل بسفك دمه وتعجيله إلى النار! ثمّ قال لهم : قوموا فبايعوا للحسن بن علي. ثمّ أقام يومه ذلك يبايعه الناس. ثمّ غدا منها منصرفا إلى الكوفة ، وإذ لم يعيّن لهم أحدا عاد أبو هريرة يصلّي بهم!
وأخذ بسر من اليمامة طريق السماوة ومنها إلى الشام وقد قتل في غارته هذه ثلاثين ألفا (٢).
وأقبل جارية إلى الكوفة حتّى دخل على الحسن عليهالسلام فعزّاه بأبيه وبايعه ثمّ قال له : يرحمك الله سر بنا إلى عدوّك قبل أن يسار إليك! فقال له : لو كان الناس كلّهم مثلك سرت بهم (٣).
__________________
(١) البقرة : ١٤.
(٢) الغارات ٢ : ٦٣٨ ـ ٦٤٠.
(٣) المصدر السابق ٢ : ٦٤٣.