وأما قولك «يا مذلّ المؤمنين»! فو الله لئن تذلّوا وتعافوا أحبّ إليّ من أن تعزّوا وتقتلوا! فإن ردّ الله علينا حقّنا في عافية قبلنا وسألنا الله العون على أمره ، وإن صرفه عنّا رضينا وسألنا الله أن يبارك لنا في صرفه عنّا. فليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام معاوية حيّا ، فإن يهلك ونحن وأنتم أحياء سألنا الله العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وكأنّ ابن صرد أصرّ على عدم الاستسلام لكلام الإمام ، ظانّا الفرق في الموقف بينه وبين أخيه الحسين عليهالسلام ، فخرج من عند الحسن ودخل على أخيه الحسين عليهماالسلام وعرض عليه ما عرضه من قبل وأخبره بردّ الحسن غير مقتنع به.
فقال لهم الحسين عليهالسلام : إنها بيعة كنت ـ والله ـ لها كارها! ثمّ كرّر عليه أمر أخيه لهم فقال : (ولكن) ليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام معاوية حيّا ، فإن هلك معاوية نظرنا ونظرتم ورأينا ورأيتم (١) فعلموا أن الحسين يتصاغر لإمامه وأخيه الأكبر الحسن عليهماالسلام.
ولعلّ هذا ونحوه بلغ معاوية ناقصا فأراد أن يختبر الإمام هل في نفسه الإثارة لذلك فدسّ إليه دسيسا هو جبير بن نفير الحضرمي الشامي ، كما جاء في رسالة محمد بن بحر الشيباني في «علل الشرائع» للصدوق ، ووصفه بالشامي جاء في «تاريخ دمشق» قال : قلت للحسن : إن الناس يقولون : إنك تريد الخلافة! فقال : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثمّ اريدها ـ أو قال : ـ أثيرها بأهل الحجاز؟! أو قال : بأتياس الحجاز (٢)؟!
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٦٣ ـ ١٦٥ ، وفيه : ومعك مائة ألف مقاتل! تحريفا منفردا به.
(٢) أنساب الأشراف ٣ : ٥٣ ، الحديث ٥٨ ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ، الإمام الحسن عليهالسلام : ٢٠٥ الحديث ٣٣١ و ٣٣٢. وفي علل الشرائع ١ : ٢٥٨ آخر باب ١٥٩ قال : يا تيّاس