الجهة الرابعة : في حجّية ظواهر الكتاب
قد نقل عن بعض أصحابنا الأخباريين عدم حجّية ظواهر الكتاب ، وهذه الدعوى ممّا يندى لها الجبين إذ كيف تكون المعجزة الكبرى للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسلوبة الحجّية؟!
وعلى أيّة حال انّ الاقتصار في الاستنباط على السنّة دون الكتاب كانت بمثابة ردّ فعل لما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب انّه قال ـ عند ما طلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم القلم والدواة ليكتب كتاباً ـ : حسبنا كتاب اللّه. (١)
وكلا القولين على طرفي الإفراط والتفريط.
وقبل الخوض في تحليل أدلّة الطرفين نحرر محلّ النزاع ، فنقول :
المراد من حجّية ظواهر القرآن هو الاستفادة من عموماته ومطلقاته بعد الفحص عن القرائن العقلية أو اللفظية المتصلة أو الحالية المنقولة بخبر الثقة ، خصوصاً الفحص عن مقيداته ومخصصاته في أحاديث العترة الطاهرة ، فإذا تمّت هذه الأُمور يقع البحث في صحّة الاحتجاج بظواهر القرآن أوّلاً ، وإلا فالاستدلال بظواهر القرآن مع قطع النظر عن جميع القرائن والروايات أمر مرفوض بنفس الكتاب والسنّة قال سبحانه : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون ). (٢)
واللّه سبحانه عرّف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه مبيّن للقرآن ، وأمر الناس بالتفكّر فيه ، فللرسول سهم في إفهام القرآن كما أنّ لتفكر الناس سهماً آخر ، فبهذين الجناحين يُحْلِّق الإنسان في سماء معارفه ويستفيد من حكمه وقوانينه.
__________________
١. صحيح البخاري : ١ / ٢٢ ، كتاب العلم;و ج٢ / ١٤.
٢. النحل : ٤٤.