هذا هو محلّ النزاع ، فالأُصولي ذهب إلى وجوب الاستضاءة بنور القرآن فيما يدل عليه بظاهره ، والأخباري إلى المنع ، وأنّ الاستدلال بالقرآن يتوقف على تفسير المعصوم ، فيصح الاحتجاج بتفسيره لا بنصِّ القرآن.
إذا عرفت ذلك ، فيدل على قول الأُصوليين أدلّة كثيرة.
الأوّل : دلالة القرآن على صحّة الاحتجاج به
قد دلّت غير واحدة من الآيات القرآنية على أنّ القرآن نور ، والنور بذاته ظاهر ومظهر لغيره ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) (١). وفي آية أُخرى : ( قَدْجاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (٢) فلو كان قوله : ( وَكِتابٌ مُبين ) عطف تفسير لما قبله ، فيكون المراد من النور هو القرآن.
انّه سبحانه يصف القرآن بأنّه تبيان لكلّ شيء ، وحاشا أن يكون تبياناً له ولا يكون تبياناً لنفسه : قال سبحانه : ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمين ) (٣). وقال سبحانه : ( إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبيراً ). (٤)
أفيمكن أن يَـهدِي من دون أن يكون المهتدي مستفيداً من هدايته؟!
فإن قلت : إنّ الاستدلال بظواهر القرآن على حجّيتها دور واضح ، فانّ الأخباري لا يقول بتلك المقالة.
__________________
١. النساء : ١٧٤.
٢. المائدة : ١٥.
٣. النحل : ٨٩.
٤. الاسراء : ٩.