المجازية ليُحْمل اللفظ ـ عند التجرّد عن القرينة ـ عليه ، ولكنّ همَّ اللغوي ينحصر في بيان موارد الاستعمال لا تعيين الحقيقة والمجاز ، وليس ذكره أوّلاً دليلاً على كونه المعنى الحقيقي.
يلاحظ على الوجه الأوّل : أنّ الرجوع إلى أهل الخبرة لأجل انسداد الطريق إلى الواقع ، فلا طريق إلى تعيين الأرش في باب المعيب ، ومقدار الغبن في البيع الغبني ، وحدّالجناية ، إلاقول أهل الخبرة ، فقولهم حجّة سواء أفاد الوثوق أو لا ، ونظيره الرجوع إلى قول الرجالي في تمييز الثقات عن غيرهم ، أو الرجوع إلى المجتهد في تعيين الوظائف ، فالكلّ من هذا الباب ، وربما لا يفيد قولهم الظن فضلاً عن الوثوق.
والحاصل : انّ انسداد الطريق جرّ العقلاء إلى إفاضة الحجّية على قول الخبير ، لقطع النزاع وتحصيل المقاصد ، وتقييد الرجوع بإفادته الظن الشخصيّ فاقد للدليل.
ويلاحظ على الثاني بوجهين :
أوّلاً : أنّ معاجم اللغة على قسمين قسم ألّف لبيان المعاني الأوّلية للألفاظ وإراءة كيفية اشتقاق سائر المعاني من المعنى الأصلي ، بحيث تكون أكثر المعاني صوراً مختلفة لمعنى أصلي ، وقد ألّف في هذا المضمار المقاييس لابن فارس ، وأساس اللغة للزمخشري ، فالمراجع إلى الكتابين يقف على المعنى الأصلي والمعاني الفرعية المشتقة من المعاني الأصلية ، ثمّ المعاني المجازية.
وثانياً : أنّ الأُنس بمعاجم اللغة ، يخلق في الإنسان قوّة أدبية ، يميز بها المعنى الحقيقي للّفظ عن المعنى المجازي ، والمراد في المقام عن غيره على وجه يثق بما استخرجه ، ولكنّه رهن الأُنس بكتب اللغة ومطالعتها ، كمطالعة سائر الكتب والرجوع إليها في مشكلات القرآن والحديث والأدب طول سنين.