مكانة الإجماع في الفقه السنّي
قد عرفت أنّ الإجماع بما هو إجماع ليس من أدوات التشريع ومصادره ، وانّ حجّيته تكمن في كشفه عن الحكم الواقعي المكتوب على الناس قبل إجماع المجتهدين وبعده.
وأمّا على القول باختصاص الحكم الواقعي المشترك بما ورد فيه النص عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وترك التكليف فيما سواه إلى اجتهاد المجتهد ، فيصير الإجماع من مصادر التشريع ، فيعادل الكتاب والسنّة في إضفاء المشروعية على الحكم المتفق عليه ، ويصير بالاتفاق حكماً واقعياًً إلهياً.
ويوضحه الأُستاذ السوري « وهبة الزحيلي » بقوله : ونوع المستند في رأي الأكثر ، إمّا دليل قطعي من قرآن أو سنّة متواترة ، فيكون الإجماع مؤيّداً ومعاضداً له ؛ وإمّا دليل ظني وهو خبر الواحد والقياس ، فيرتقي الحكم حينئذ من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع واليقين. (١)
ومعنى ذلك انّه لابدّ أن يكون للإجماع من دليل ظني ، فإذا اتّفق المجتهدون على الحكم ولو لأجل ذلك الدليل الظني يصبح الحكم قطعيّاً ، ـ وما ذاك ـ إلا لأجل دوران الحكم مدار الاتفاق وعدمه.
يقول الشيخ عبد الوهاب خلاّف : من حقّق النظر في منشأ فكرة الإجماع في التشريع الإسلامي ، وفي كيفية الإجماع الذي انعقد في أوّل مرحلة تشريعية بعد عهد الرسول ، وفي تقدير المجمعين لمن عقد عليه إجماعهم من الأحكام ، يتحقّق أنّ الإجماع أخصب مصدر تشريعي يكفل تجدّد التشريع وتستطيع به الأُمّة أن تواجه كلّ ما يقع فيها من حوادث ، وما يحدث لها من وقائع ، وأن تساير به الأزمان
__________________
١. الوجيز في أُصول الفقه : ٤٩.