وما أوردنا عليه في الدورة السابقة من أنّ أصحاب الكتب الأربعة لم يحيطوا بجميع الأخبار ، بشهادة أنّ الشيخ الحرّ العاملي استدرك عليهم بتأليف كتاب وسائل الشيعة ، ليس بتام ، إذ ليس الكلام في الإحاطة وعدمها ، بل الكلام في أنّه من البعيد أن يقف أصحاب الجوامع على خبر ، ويفتوا بمضمونه ، ولا ينقلوه ، وأين هذا من إحاطتهم بجميع الأخبار وعدمها؟
٢. كشفه عن شهرة الحكم عند أصحاب الأئمّة
إنّ اتّفاق المرؤوسين المنقادين على شيء يكشف عن رضا الرئيس ، فإذا رأينا اتّفاق موظفي دائرة على تكريم شخص خاص ، يستكشف ، أنّ هذا بإشارة منه خصوصاً إذا تكرر التكريم. (١)
وهذا أمر جميل إذا كانت الصلة بين الرئيس والمرؤوس موجودة كما في عصر الحضور ، ولذلك كان أصحاب أئمّة أهل البيت يتركون ما سمعوه من الإمام شفهياً ، ويأخذون بقول ما اتّفق عليه أصحابه ، وقد استفتى عبد اللّه بن محرز أبا عبد اللّه عن رجل مات وترك ابنة وقال : إنّ لي عصبة بالشام ، فأفتى الإمام بدفع نصفها إليها والنصف الآخر إلى العصبة ، فلمّـا قدم الكوفة أخبر أصحاب الإمام فلمّا سمعوا قالوا : اتقاك والمال كلّه للابنة. (٢)
وعلى هذا فالشهرة الفتوائية عند قدماء الأصحاب في عصر الغيبة يكشف عن كون الحكم مشهوراً بين الأصحاب في زمان الأئمّة ، ويدل على ذلك أنّ في الفقه الشيعي مسائل كثيرة ليس لها دليل سوى الشهرة ، ولعلّ قسماً من أحكام الفرائض من هذا القبيل ، كان السيد المحقّق البروجردي يقول : إنّ في الفقه مئات
__________________
١. فوائد الأُصول : ٣ / ١٤٩ ؛ درر الأُصول : ٢ / ٣٧٢.
٢. الوسائل : ١٧ ، الباب ٤ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، الحديث ٣.