ثمّ إنّ الرفع إن استعمل مجرّداً عن حرف الجرّ ، فالمراد رفعه مع الاعتداد به دون فرق بين كونه حسيّاً أو معنوياً ، قال سبحانه : ( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَرَفََعَ بَعضَهُمْ دَرَجات ). (١)
وأمّا إذا استعمل معها كما في المقام ، فيراد منه عدم الاعتداد بالمرفوع كما يقال : رفعت عنه الضريبة.
إذا عرفت ذلك يقع الكلام فيما هو المصحح لنسبة الرفع إلى المكرَه والمضطرّ والخاطئ ، والناسي والجاهل مع وجودها في الحياة ، وهذا هو الذي نطرحه في الأمر الثاني.
الثاني : في تصحيح نسبة الرفع إلى التسعة مع وجودها
إذا كان الرفع بمعنى إزالة وجود الشيء ، فكيف نسب إلى هذه الأُمور مع أنّها متوفرة في صفحة الوجود؟
والجواب : انّ الرفع وإن تعلّق برفع نفس الأُمور ، لكن الكذب إنّما يلزم إذا كان اخباراً عن عالم التكوين ، وأمّا إذا كان إخباراً عن عالم التشريع بمعنى رفع هذه الأُمور بلحاظ عدم آثارها فلا يلزم الكذب نظير قوله : لا ضرر ولا ضرار ، ولا بيع إلا في ملك ، ولا طلاق إلا على طهر ، ولا يمين للولد مع والده ، ولا يمين للمملوك مع مولاه ، وللمرأة مع زوجها ، ولا رضاع بعد فطام ، ولا نذر في معصية اللّه ، ولا يمين للمكره ، ولا رهبانية في الإسلام.
فهذه الأُمور المرفوعة موجودة في الحياة ولكن لما كان إخباراً عن صفحة التشريع ، وكانت هذه الأُمور مسلوبة الأثر فيها ، يصحّ الإخبار عن عدمها ، باعتبار عدم آثارها.
__________________
١. البقرة : ٢٥٣.