٣. هل التخيير بدئي أو استمراري
قد تبيّن ممّا ذكرنا أنّه إذا دار الأمر بين المحذورين فالإنسان مخيّر بين الفعل والترك ، مع جريان البراءة من الحكمين ظاهراً ، فلو كانت الواقعة واحدة فلا موضوع للبحث عن كون التخيير بدئياً أو استمرارياً ، إنّما الكلام إذا تعدّدت الواقعة ، كما إذا تردد شرب مائع في ليالي الجمعة إلى شهر بين كونه محلوف الفعل أو الترك ، فعلى القول بأنّه بدئي ، ليس له في الواقعة الثانية اختيار غير ما اختاره في الواقعة الأُولى ، بخلاف ما لو كان استمراريّاً. ذهب المحقّق النائيني إلى الثاني واستدل بما هذا حاصله :
إنّ أمره في كلّ ليلة الجمعة دائر بين المحذورين ، فكون الواقعة ممّا يتكرر لا يوجب خروج المورد عن دوران الأمر بين المحذورين ، ولا يلاحظ انضمام الليالي بعضاً إلى بعض ، لأنّ الليالي بقيد الانضمام لم يتعلق الحلف والتكليف بها ، فلابدّ من ملاحظتها مستقلة ، ففي كلّ ليلة يدور الأمر بين المحذورين ويلزمه التخيير الاستمراري. (١)
يلاحظ عليه : أنّ المسألة ليست مبنيّة على ضمّ الليالي بعضها إلى بعض حتى يقال : إنّ كلّ ليلة موضوع بحيالها ، وليس الموضوع المجموع منها ، بل مبنيّة على تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات مثل الدفعيات ، فلو تردد وجوب شيء في وقت وحرمته في وقت آخر ، تجب عليه الحركة على وفق العلم الإجمالي ، فلو ترك الفعل في الأوّل وأتى به في الثاني فقد ارتكب المبغوض القطعي للمولى ، ومثله المقام ، فلو اختار في الواقعة الثانية خلاف الأُولى علم انّه ارتكب المبغوض إمّا في الواقعة الأُولى أو الثانية ، والعقل كما يستقل بقبح ارتكاب المبغوض دفعة كذلك يحكم بقبحه تدريجاً.
__________________
١. فوائد الأُصول : ٣ / ٤٦٣.