٤. في تقديم محتمل الأهمية
إذا قلنا بالتخيير فهل يستقل العقل به مطلقاً ، سواء كان أحدهما أقوى احتمالاً ، كما إذا كان الوجوب أقوى احتمالاً من الحرمة ، أو أقوى محتملاً ، كما إذا كان متعلق الوجوب أقوى أهمية على فرض كونه مطابقاً للواقع من متعلّق الحرمة كما إذا دار أمر شخص بين كونه محقون الدم أو مهدوره أو لا؟ ذهب المحقّق الخراساني إلى الثاني ، واستدل عليه بوجهين :
الأوّل : انّ المقام من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه هو التعيين ، لأنّ استقلال العقل بالتخيير إنّما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين ومع إجماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعينه.
وأورد عليه سيّدنا الأُستاذ قدسسره : بأنّه إذا جرت البراءة في أصل التكليف ، فخصوصيته أولى بأن يكون مجرىً لها. (١)
يلاحظ عليه : أنّ البحث على أساس أن يكون الحكم الظاهري هو التخيير لا البراءة ، وعليه لا يستقل به عند إجمال المزية احتمالاً أو محتملاً.
الثاني : قياس المقام بالمتزاحمين ، فكما لا يستقل العقل بالتخيير إذا احتمل في أحد المتزاحمين الأهمية كاحتمال كونه إماماً فهكذا في المقام.
وأورد عليه صاحب المصباح بالفرق بين المقامين ، بأنّ الأهمية المحتملة في المقام تقديريّة إذ لم يثبت أحد الحكمين بخصوصه ، إنّما المعلوم ثبوت الإلزام في الجملة ، غاية الأمر أنّه لو كان الإلزام في ضمن أحدهما المعيّن احتمل أهميته ، وهذا بخلاف باب التزاحم المعلوم فيه ثبوت الحكم في كلا الطرفين ، وإنّما كان عدم وجوب امتثالهما معاً للعجز وعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما. (٢)
__________________
١. تهذيب الأُصول : ٢ / ٢٤٦.
٢. مصباح الأُصول : ٢ / ٣٣٤.