أ : عدم وجوب الاجتناب مطلقاً
ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ الاضطرار إلى أحد الأطراف مطلقاً يوجب عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ، وذلك لأنّه كما يكون مانعاً عن العلم بفعليّة التكليف لو كان إلى واحد معيّن ، كذلك يكون مانعاً لو كان إلى غير معيّن ، ضرورة أنّه مطلقاً موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف لو تركه تعييناً أو تخييراً ، وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو وجوبه بينها.
ثمّ أورد على نفسه إشكالاً ، وحاصله :
انّ ما ذكرت إنّما يصحّ إذا كان الاضطرار سابقاً على حدوث العلم أو مقارناً ، فإنّه يمنع عن تعلّق العلم بتكليف فعلي بأحد الطرفين ، وأمّا إذا كان لاحقاً للعلم المتقدّم فلا ، لأنّ مقتضى وجود العلم الإجمالي السابق المتعلّق بتكليف فعلي ، هو الاجتناب عن الباقي ، لأنّ المفروض عند تعلّق العلم الإجمالي بتكليف فعلي للامتثال ، عدم الاضطرار إلى ارتكاب أحد من الطرفين ، وهو كاف في لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه ، فالاجتناب من الطرف الآخر من آثار العلم السابق على الاضطرار.
وأجاب عنه : بأنّ الاضطرار من حدود التكليف ، والتكليف من أوّل الأمر محدّد بعدم عروض الحرج والضرر ، فعروضه كاشف عن عدم وجود تكليف فعليّ لازم للامتثال ، وانّ ذاك العلم لم ينعقد منجّزاً ، وإن زعم صاحبه أنّه منجزٌ لاحتمال أن يكون مورد التكليف هو المضطر إليه ، فيما إذا اضطر إلى المعيّن ، أو يكون هو المختار إذا اضطر إلى واحد لا بعينه.
ثمّ أورد إشكالاً آخر : بأنّه أيّ فرق بين عروض الاضطرار ـ بعد العلم بالتكليف ـ إلى أحد الأطراف معيّناً أو غير معين ، وبين إراقة أحد الأطراف بعد تعلّق العلم الإجمالي؟ إذ يجب الاجتناب عن الطرف الباقي ، وما هذا إلا