لو اضطر إلى أحدهما المعيّن يجب الاجتناب عن الطرف الآخر ، وذلك لأنّ التكليف فيه محدود بحدّ الاضطرار ، فلو كان هو المحرّم يكون التكليف فيه محدوداً بحدّ الاضطرار ، لافتراض حصول الاضطرار بالنسبة إليه ، بخلاف ما إذا كان المحرّم هو الطرف الآخر ، فالتكليف لا يكون فيه محدوداً بحدّالاضطرار ، بل يبقى التكليف فيه على إطلاقه ، لافتراض عدم الاضطرار إليه ، والعلم الإجمالي المردّد بين التكليف المحدود الساقط ، والمطلق غير المحدود الباقي ، يكون منجّزاً ، ويكون أشبه بالعلم الإجمالي المردّد بين القصير والطويل ، فلو علم بوجوب قراءة آية مردّدة بين القصير كقوله سبحانه : ( مدهامتان ) أو الطويلة كآية الدين ، يكون العلم الإجمالي فيه منجزاً.
وأمّا إذا كان الاضطرار إلى واحد لا بعينه ، فلا يلزم الاجتناب عن غير المختار أيضاً ، لأنّ الاضطرار يمنع عن فعلية التكليف في البين ، لما مرّ من أنّ الاضطرار حدّ التكليف ، من غير فرق بين كونه مضطراً إلى واحد بعينه ، أو إلى أحدهما ، والمفروض صلاحية كلّ إناء ، لرفع الاضطرار.
يلاحظ عليه : أنّ الضابطة في تنجّز العلم الإجمالي هو أن يكون محدثاً للتكليف على كلّ تقدير ، حتى يحصل العلم بالتكليف القطعي ، وإلا فلو كان موجباً له على فرض دون فرض ، فلا يكون هناك علم به ، مثلاً إذا دار سقوط قطرة من الدم بين الماء الكر والقليل ، فلا يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بإحداث التكليف ، وعلى ضوء ذلك ، يجب عليه القول بعدم وجوب الاجتناب إذا اضطر إلى ارتكاب المعيّن من الإناءين ، والاجتناب إذا اضطر إلى الواحد غير المعيّن ، على خلاف ما اختاره ، وذلك لأنّه لو كان الاضطرار إلى واحد معيّن من الإناءين فالعلم الاجمالي يحدث التكليف على وجه ( إذا كان الحرام في غير الإناء المضطر إليه ) ولا يحدث على وجه ( إذا كان الحرام في الإناء المعيّـن ) بخلاف ما