هذا وانّ محلّ النزاع في غير الأحكام التعبدية فانّ امتثالها رهن الإتيان بها للّه سبحانه أو لامتثال أمره وغير ذلك ، ومثل ذلك لا ينفك عن الالتزام والتسليم بأنّه حكمه سبحانه وينحصر النزاع بالأحكام التوصلية.
هذا هو محلّ تحرير النزاع وذاك أيضاً مختار المحقّق الخراساني.
نعم أنكر سيّدنا الأُستاذ قدسسره أن يكون للنزاع مفهوم صحيح قائلاً بأنّ التسليم القلبي والانقياد الجناني والاعتقاد الجزمي لأمر من الأمور لا يحصل بالإرادة والاختيار من دون حصول مقدّماتها ومباديها ، ولو فرضنا حصول عللها وأسبابها يمتنع تخلف الالتزام والانقياد القلبي عند حصول مبادئها ويمتنع الاعتقاد بأضدادها ، فتخلّفها عن المبادئ ممتنع كما أنّ حصولها بدونها ممتنع ، وعلى ذلك فإذا قام الدليل القطعي على وجوب شيء فيمتنع عدم عقد القلب على وجوبه أو عقد القلب على ضدّه.
وأمّا الجحد الوارد في قوله سبحانه : ( فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتنا مُبصرةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبين * وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلماً وَعُلُوّاً فَانْظُر كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدين ). (١) فلا يراد منه الجحد القلبي ، لامتناعه بعد حصول مبادئه من البراهين القطعية على أنّ موسى مرسل من ربه ، بل المراد هو الجحد اللفظي والإنكار اللساني.
ولمّا ذهب قدسسره إلى أنّ الالتزام القلبي وليد العلم بالواقع ، فهو يحصل في قرارة الإنسان شاء أم لم يشأ ، ولا يمكن له عقد القلب على خلافه ، أنكر إمكان التشريع فضلاً عن حرمته ، إذ كيف يمكن البناء والالتزام القلبي على كون حكم من اللّه مع علمه بأنّه ليس منه أو يشك من كونه منه.
__________________
١. النمل : ١٣ ـ ١٤.