ومن هنا يظهر لك ملاك القول بان هذين القسمين ليسا من قبيل الاستعمال ـ أيضا ـ لما مر من إمكان إيجاد اللفظ بنفسه وإحضاره في ذهن المخاطب بلا وساطة شيء فإذا تعلق الغرض بتقييده بخصوصية ما يجعل الدال عليه الحرف أو ما يحذو حذوه مثلا لو قال أحد زيد في (ضرب زيد فاعل) فقد أوجد طبيعي لفظ زيد وأحضره بنفسه في ذهن المخاطب وقد دل على تقييده بخصوصية ما من المثل أو الصنف بكلمة (في) فأين هنا استعمال لفظ في مثله أو صنفه.
فالنتيجة ان شيئاً من الإطلاقات المتقدمة ليس من قبيل الاستعمال ، بل هو من قبيل إيجاد ما يمكن إراءة شخصه مرة ، ونوعه أخرى ، وصنفه ثالثة ، ومثله رابعة.
ثم انه لا يخفى ان ما ذكره المحقق صاحب الكفاية ـ قده ـ في آخر كلامه في هذا المقام بقوله «وفيها ما لا يكاد يصح ان يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ كما في مثل ضرب فعل ماض» غريب منه وذلك لأن الفعل الماضي أو غيره إنما لا يقع مبتدأ إذا استعمل في معناه الموضوع له وأريد منه ذلك لا مطلقاً حتى فيما إذا لم يستعمل فيه ولم يرد معناه ، وحيث أن فيما نحن فيه لم يرد معناه ، بل أريد به لفظه لا بماله من المعنى فلا مانع من وقوعه مبتدأ ولا يخرج بذلك عن كونه فعلا ماضياً ، غاية ما في الباب انه لم يستعمل في معناه وهذا لا يوجب خروجه عن ذلك ، وهذا نظير قولنا ضرب وضع في لغة العرب للدلالة على وقوع الضرب في الماضي أفهل يتوهم أحد انه لا يشمل نفسه ، لأنه مبتدأ.
أقسام الدلالة
الأمر السادس : لا شبهة في ان الله تعالى شأنه فضل الإنسان على سائر مخلوقاته بنعمة عظيمة وهي نعمة البيان بمقتضى قوله عز من قائل : «خلق الإنسان علمه