البيان» وذلك لحكمة تنظيم الحياة (المادية والمعنوية) فان مدنية الإنسان بالطبع تستدعى ضرورة الحاجة إلى البيان لإبراز المقاصد خارجاً لئلا تختل نظم الحياة ، فالقدرة على البيان مما أودعه الله تعالى في الإنسان.
إذا عرفت ذلك فنقول ان الدلالة على أقسام ثلاثة :
(القسم الأول) : الدلالة التصورية وهي (الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ) وهي لا تتوقف على شيء ولا تكون معلولة لأمر ما عدا العلم بالوضع فهي تابعة له وليس لعدم القرينة دخل فيها ـ أصلا ـ فالعالم بوضع لفظ خاص لمعنى مخصوص ينتقل إليه من سماعه ولو فرض ان المتكلم نصب قرينة على عدم إرادته ، بل ولو فرض صدوره عن لافظ بلا شعور واختيار أو عن اصطكاك حجر بحجر آخر ، وهكذا وعلى الجملة فالدلالة التصورية بعد العلم بالوضع أمر قهري خارج عن الاختيار.
(القسم الثاني) الدلالة التفهيمية المعبر عنها بالدلالة التصديقية ـ أيضاً ـ لأجل تصديق المخاطب المتكلم بأنه أراد تفهيم المعنى للغير وهي (عبارة عن ظهور اللفظ في كون المتكلم به قاصداً لتفهيم معناه) وهذه الدلالة تتوقف زائداً على العلم بالوضع على إحراز انه في مقام التفهيم ولم ينصب قرينة متصلة على الخلاف ، بل لم يأت في الكلام بما يصلح للقرينية ، فانه يهدم الظهور ويوجب الإجمال لا محالة ، فلو لم يكن في ذلك المقام فلا ظهور ولا دلالة على الإرادة التفهيمية ـ أصلا ـ كما ان وجود القرينة المتصلة مانع عن الظهور التصديقي. وعلى الجملة فهذه الدلالة تتقوم بكون المتكلم في مقام التفهيم وبعدم وجود قرينة متصلة في الكلام.
(القسم الثالث) : الدلالة التصديقية وهي (دلالة اللفظ على ان الإرادة الجدية على طبق الإرادة الاستعمالية) وهذه الدلالة ثابتة ببناء العقلاء إلا انها تتوقف زائداً على ما مر على إحراز عدم وجود قرينة منفصلة على الخلاف ، وإلا فلا يكون الظهور كاشفاً عن الإرادة الجدية في مقام الثبوت ، فان وجود القرينة المنفصلة مانع عن حجيته. والحاصل ان بناء العقلاء قد استقر على ان الإرادة التفهيمية