اما الكلام في الجهة الأولى فغاية ما قيل أو يمكن أن يقال في وجهه ، هو أن الغرض من أي علم من العلوم أمر واحد ؛ ـ مثلا ـ الغرض من علم الأصول : (الاقتدار على الاستنباط) ومن علم النحو : (صون اللسان عن الخطأ في المقال) ومن علم المنطق : (صون الفكر عن الخطأ في الاستنتاج) وحيث ان هذا الغرض الوحداني يترتب على مجموع القضايا المتباينة في الموضوعات والمحمولات التي دونت علماً واحداً وسميت باسم فارد ، يستحيل ان يكون المؤثر فيه هذه القضايا بهذه الصفة ، لاستلزامه تأثير الكثير بما هو كثير في الواحد بما هو واحد ؛ فإذاً يكشف (إناً) عن ان المؤثر فيه جامع ذاتي وحداني بينها ، بقانون ان المؤثر في الواحد لا يكون إلا الواحد بالسنخ ، وهو موضوع العلم. وبتعبير آخر : ان البرهان على اقتضاء وحدة الغرض لوحدة القضايا موضوعاً ومحمولا ، ليس إلا ان الأمور المتباينة لا تؤثر أثراً واحداً ، كما عليه جل الفلاسفة لو لا كلهم.
ويرد عليه أولا : ان البرهان المزبور وان سلم في العلل الطبعية لا في الفواعل الإرادية ، إلا ان الغرض الّذي يترتب على مسائل العلوم ، لا يخلو اما ان يكون واحداً شخصياً أو واحداً نوعياً أو عنوانياً ؛ وعلى أي تقدير لا تكشف وحدة الغرض عن وجود جامع ما هوى وحداني بين تلك المسائل.
اما على الأول فانه يترتب على مجموع المسائل من حيث المجموع ؛ لا على كل مسألة مسألة بحيالها واستقلالها ؛ فحينئذ المؤثر فيه المجموع من حيث هو ، فتكون كل مسألة جزء السبب لا تمامه ؛ نظير ما يترتب من الغرض الوحداني على المركبات الاعتبارية من الشرعية : كالصلاة ونحوها ، أو العرفية ؛ فان المؤثر فيه مجموع اجزاء المركب بما هو ، لا كل جزء جزء منه ؛ ولذا لو انتفى أحد اجزائه ، انتفى هذا الغرض. فوحدة الغرض بهذا النحو لا تكشف عن وجود جامع وحداني بينها ، بقاعدة استحالة صدور الواحد عن الكثير ، فان استناده إلى المجموع بما هو لا يكون مخالفاً لتلك القاعدة ليكشف عن وجود الجامع ، إذ