والاستفادة معه مطلقاً لتم ما أفاده القائل إلا ان الأمر ليس كذلك.
(الثاني) : انا نمنع كون الاشتراك يوجب الإخلال بغرض الوضع ، فان الغرض كما يتعلق بالتفهيم والتفهم ، كذلك قد يتعلق بالإهمال والإجمال ، فيلتجئ الواضع إلى الاشتراك ، لتحصيل هذا الغرض.
التحقيق ان ما أفاده ـ قده ـ من إمكان الاشتراك وانه لا يمتنع ولا يجب وان كان صحيحا إلا انه انما يتم على مسلك القوم في تفسير الوضع فانه على مسلك من يرى أن حقيقة الوضع عبارة ـ ١ ـ عن اعتبار الواضع وجعله الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ـ ٢ ـ أو جعله وجود اللفظ وجوداً للمعنى تنزيلا ـ ٣ ـ أو جعله اللفظ على المعنى في عالم الاعتبار فلا مانع من الاشتراك وتعدد الجعل إذ الاعتبار خفيف المئونة ولا محذور في تعدده في اللفظ الواحد أصلا.
وأما على ما نراه من ان حقيقة الوضع التعهد والالتزام النفسانيّ فلا يمكن الاشتراك بالمعنى المشهور ، وهو تعدد الوضع على نحو الاستقلال في اللفظ الواحد والوجه في ذلك هو أن معنى التعهد كما عرفت عبارة عن تعهد الواضع في نفسه بأنه متى ما تكلم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلا تفهيم معنى خاص ، ومن المعلوم انه لا يجتمع مع تعهده ثانياً بأنه متى ما تكلم بذلك اللفظ الخاصّ لا يقصد إلا تفهيم معنى آخر يباين الأول ، ضرورة ان معنى ذلك ليس إلا النقض لما تعهده أولا.
أو فقل ان الوضع على ما ذكرناه عبارة عن ذلك التعهد المجرد عن الإتيان بأية قرينة وعليه فلا يمكن للواضع ان يجمع بين تعهدين كذلك أو أزيد في لفظ واحد ، فان الثاني مناقض للأول ولا يجتمع معه إلا ان يرفع يده عن الأول ، ويلتزم ثانياً بأنه متى ما تكلم بذلك اللفظ الخاصّ يقصد منه تفهيم أحد المعنيين الخاصّين فالذي يمكن من الاشتراك هو هذا المعنى أعني به رفع اليد عن التزام الأول والالتزام من جديد بأنه متى ما تكلم بذلك اللفظ فهو يريد منه تفهيم أحد المعنيين على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ.