ثم ان النزاع في هذه المسألة في وضع الهيئة وفي سعة مفهوم الاشتقاقي وضيقه من دون اختصاص لها بمادة دون مادة ، فلا ينظر إلى أن المادة ذاتية أو عرضية وبزوالها تنتفي الذات أو لا تنتفي ، فان كل ذلك لا دخل له في محل النزاع.
نعم المادة إذا كانت ذاتية لا يعقل فيها بقاء الذات مع زوال التلبس. لكن الهيئة غير مختصة بها ، بل تعم ما يعقل فيه بقاء الذات مع زوال التلبس ـ مثلا ـ المادة في الناطق ذاتية ولكن الهيئة لا يختص وضعها بها ، بل يعم غيرها كالقائم ونحوه ، وهكذا المادة في الحيوان فانها ذاتية ولا يعقل بقاء الذات بدونها إلا ان الهيئة غير مختصة بها ، بل تعم غيرها أيضاً كالعطشان ونحوه .. وهكذا.
وعلى الجملة فالنزاع هنا يختص بوضع الهيئة فقط وانها موضوعة لمعنى وسيع أو لمعنى ضيق؟ ولا ينظر إلى المادة والمبدأ أصلا ، فلا فرق بين أن يكون المبدأ ذاتياً أو عرضياً ، فان ذاتية المبدأ لا تضر بوضع الهيئة للأعم إلا إذا كان وضع الهيئة مختصاً بذلك المبدأ كما في العناوين الذاتيّة ، حيث أن الوضع فيها شخصي فلا يجري النزاع فيها.
فالنتيجة ان الخارج عن البحث العناوين الذاتيّة من الجوامد ، والأفعال والمصادر من المشتقات.
ولشيخنا الأستاذ ـ قده ـ في المقام كلام وهو أن ما يكون المبدأ فيه منتزعاً عن مقام الذات ولا يحاذيه شيء في الخارج وكان من الخارج المحمول كالعلة والمعلول والممكن وما يقابلانه من الواجب والممتنع خارج عن محل البحث.
بتقريب ان في أمثال هذه العناوين لا يعقل بقاء الذات وزوال التلبس فتكون كالعناوين الذاتيّة ، فان الإمكان ـ مثلا ـ منتزع عن مقام ذات الممكن وهو الإنسان ، لا عن امر خارج عن مقام ذاته وإلا فلازمه أن يكون الممكن في مرتبة ذاته خالياً عن الإمكان ولا يكون متصفاً به ، وحينئذ لزم انقلاب الممكن إلى الواجب أو الممتنع ، لاستحالة خلو شيء عن أحد المواد الثلاثة.