وأما الكلام في مقام الإثبات فلا ينبغي الشك في أن المشتق وضع للمتلبس بالمبدإ فعلا. ويدل على ذلك أمور :
(الأول) : ان المتبادر من المشتقات والمرتكز منها عند أذهان العرف العقلاء خصوص المتلبس لا الأعم ، وهذا المعنى وجداني لكل أهل لغة بالقياس لي لغاته فهم يفهمون من المشتقات عند إطلاقاتها واستعمالاتها المتلبس بالمبدإ فعلا ، ولا تصدق عندهم إلا مع فعلية التلبس والاتصاف ، وصدقها على المنقضى عنه المبدأ وان أمكن إلا انه خلاف المتفاهم عرفا ، فلا يصار إليه بلا قرينة. وهذا التبادر والارتكاز غير مختص بلغة دون أخرى ، لما ذكرناه غير مرة ان الهيئات في جميع اللغات وضعت لمعنى واحد على اختلافها باختلاف اللغات ـ مثلا ـ هيئة «ضارب» في لغة العرب وضعت لعين المعنى الّذي وضعت هيئة «زننده» في لغة الفرس له وهكذا. ومن هنا يفهم من تبادر عنده من كلمة «زننده» خصوص المتلبس ان كلمة ضارب» أيضاً كذلك.
نعم تختلف المواد باختلاف اللغات ، فيختص التبادر فيها بأهل كل لغة فلا يتبادر من لفظ العجمي للعربي شيئاً وبالعكس نظراً إلى اختصاص الوضع بأهله وهذا هو السر في رجوع أهل كل لغة في فهم معنى لغة أخرى إلى أهلها وتبادره عنها فالعجمي يرجع في فهم اللغة العربية إلى العرب ، وهكذا بالعكس. وهذا بخلاف الهيئات ، فانها على اختلاف اللغات مشتركة في معنى واحد ، فالهيئات الاشتقاقية بشتى أنواعها وأشكالها وضعت لمعنى واحد وهو خصوص المتلبس بالمبدإ فعلا.
ثم ان هذا التبادر لا يختص بالجمل التامة ، ليقال ان منشأه ظهور الحمل في التلبس الفعلي ، بل ان حال هيئة المشتق حال هيئة المركبات التقييدية كالإضافة والتوصيف ، فكما ان المتبادر عند أهل العرف من تلك المركبات فعلية النسبة والقيد ، ولا تصدق خارجاً إلا مع فعلية الاتصاف ، فكذلك المتبادر عندهم من المشتقات ذلك. فهذا التبادر يكشف كشفاً قطعياً عن الوضع لخصوص المتلبس ، لأنه غير مستند إلى