في الوضع
الأمر الرابع في الوضع ويقع الكلام فيه من جهات :
الجهة الأولى في أن منشأ دلالة الألفاظ على المعاني هل هي المناسبة الذاتيّة بينهما لتصبح الدلالة ذاتية؟ أو الجعل والمواضعة لتصبح جعلية محضة؟
الجهة الثانية في ان الواضع هل هو الله تبارك وتعالى أو البشر؟
الجهة الثالثة في ان الوضع من الأمور الواقعية أو من الأمور الاعتبارية؟
الجهة الرابعة في أقسام الوضع إمكاناً مرة ، ووقوعاً مرة أخرى.
أما الجهة الأولى فربما يقال فيها : ان دلالة الألفاظ على معانيها ناشئة عن مناسبة ذاتية بينهما.
وفيه انه لو أريد بذاتية الدلالة ان الارتباط الذاتي والمناسبة الذاتيّة بينهما بحد يوجب ان يكون سماع اللفظ علة تامة لانتقال الذهن إلى معناه ، فبطلانه من الوضوح بمكان لا يقبل النزاع ، فان لازم ذلك تمكن كل شخص من الإحاطة بتمام اللغات فضلا عن لغة واحدة.
ولو أريد ان الارتباط المزبور والمناسبة المزبورة بينهما بحد يوجب أن يكون سماع اللفظ مقتضياً لانتقال الذهن إلى معناه أي أن المناسبة اقتضائية لا علة تامة ، ففيه ان ذلك وان كان بمكان من الإمكان ثبوتاً وقابلا للنزاع ـ إذ لا مانع عقلا من ثبوت هذا النحو من المناسبة بين الألفاظ ومعانيها ، نظير الملازمة الثابتة بين أمرين فانها ثابتة في الواقع والأزل بلا توقف على اعتبار أي معتبر أو فرض أي فارض وبلا فرق بين ان يكون طرفاها ممكنين أو مستحيلين أو مختلفين ، إذ صدقها لا يتوقف على صدق طرفيها فهي صادقة مع استحالتهما كما في قوله تعالى : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) نعم ان سنخ ثبوتها غير سنخ ثبوت المقولات كالجواهر والأعراض ، ولذا ليست داخلة تحت شيء منها ـ ، إلا انه لا دليل على