بلغة مجعولة لهم لا محالة ؛ ولا نعنى بالوضع إلا هذا التعهد وهذا الالتزام ، وإليه أشار تعالى بقوله : «خلق الإنسان علمه البيان» وذلك وان كان ينتهى إليه تعالى لأنه من لطفه وعنايته ؛ إلا انه أمر آخر غير انه هو الواضع الحكيم.
وهذا الّذي ذكرناه من دفع الإشكالين المتقدمين لا يفرق فيه بين مسلكنا ومسلك القوم في تفسير العلقة الوضعيّة فان تدريجية الوضع وعدم اختصاصه بشخص خاص لا تدع مجالا للإشكال المزبور ، غاية الأمر انه بناء على مسلكنا كان كل مستعمل واضعاً وان كانت كلمة الواضع عند إطلاقها تنصرف إلى الواضع الأول إلا انه من جهة الأسبقية ؛ وهذا بخلاف غيره من المسالك كما لا يخفى.
فالمتحصل مما ذكرناه أمران : الأول : ان الله تبارك وتعالى ليس هو الواضع الحكيم. الثاني : ان الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة معينين على جميع المسالك في تفسير حقيقة الوضع.
في حقيقة الوضع
واما الكلام في الجهة الثانية (وهي تعيين حقيقة الوضع) : فذهب بعض الأعاظم ـ قده ـ إلى انها من الأمور الواقعية لا بمعنى انها من إحدى المقولات ، ضرورة وضوح عدم كونها من مقولة الجوهر لانحصارها في خمسة أقسام : (العقل) (النّفس) (الصورة) (المادة) (الجسم) وهي ليست من إحداها ؛ وكذا عدم كونها من المقولات التسع العرضية أيضا ، لأنها متقومة بالغير في الخارج لاستحالة تحققها في العين بدون موضوع توجد فيه ، فان وجودها في نفسها عين وجودها لغيرها ، وهذا بخلاف حقيقة العلقة الوضعيّة فانها قائمة بطبيعي اللفظ والمعنى ومتقومة بهما فلا يتوقف ثبوتها وتحققها على وجودهما في الخارج ، وهذا واضح ولذا يصح وضع اللفظ لمعنى معدوم بل مستحيل كما لو فرضنا وضع لفظ الدور أو التسلسل لخصوص حصة مستحيلة منه لا للمعنى الجامع بينها وبين غيرها ، فلو