وذهب كثير من الأعلام والمحققين (قدسسرهم) إلى ان حقيقة الوضع حقيقة اعتبارية ، ولكنهم اختلفوا في كيفيتها على أقوال :
(القول الأول) ما قيل من ان حقيقة الوضع عبارة عن : (اعتبار ملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له) وحقيقة هذه الملازمة متقومة باعتبار من بيده الاعتبار أي (الواضع) كسائر الأمور الاعتبارية من الشرعية أو العرفية. ثم ان الموجب لهذا الاعتبار والداعي إليه انما هو قصد التفهيم في مقام الحاجة لعدم إمكانه بدونه.
ولكن لا يمكن المساعدة عليه ؛ وذلك لأنه لو أريد به اعتبارها خارجاً بمعنى أن الواضع جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى في الخارج ، فيردّه انه لا يفيد بوجه ما لم تكن الملازمة بينهما في الذهن ، ضرورة ان بدونه لا يحصل الانتقال إلى المعنى من تصور اللفظ وسماعه ، وعلى تقدير وجودها وثبوتها فالملازمة الخارجية غير محتاج إليها ، فان الغرض وهو الانتقال يحصل بتحقق هذه الملازمة الذهنية سواء كانت هناك ملازمة خارجية أم لم تكن ، فلا حاجة إلى اعتبار المعنى موجوداً في الخارج عند وجود اللفظ فيه ، بل هو من اللغو الظاهر.
وان أريد به اعتبار الملازمة ذهناً يعنى ان الواضع اعتبر الملازمة بين اللفظ والمعنى في الذهن ، ففيه انه لا يخلو إما أن يكون مطلقاً حتى للجاهل بالوضع أو يختص بالعالم به. لا يمكن المصير إلى الأول ، فانه لغو محض لا يصدر من الواضع الحكيم لأنه لا أثر له بالقياس إلى الجاهل به ، ولا معنى لأن يعتبر الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ له ، فانه ان علم بالوضع فالانتقال من اللفظ إلى معناه ضروري له وغير قابل للجعل والاعتبار ؛ وان لم يعلم فالاعتبار يصبح لغواً. ولا إلى الثاني لأنه تحصيل حاصل ، بل من أردإ أنحائه ، فانه لو كان عالما بالوضع كان اعتبار الملازمة في حقه من قبيل إثبات ما هو ثابت بالوجدان بالاعتبار وبالتعبد. وعلى الجملة فالملازمة الذهنية أمر تكويني غير قابلة للجعل والاعتبار وليست معنى الوضع