له لكي يدل عليه ويفهم منه معناه ؛ فالوضع مقدمة للاستعمال والدلالة ، ومن الواضح ان الدلالة اللفظية إنما تكون بين شيئين أحدهما دال والآخر مدلول فاعتبار الوحدة بينهما بان يكون وجود اللفظ وجوداً للمعنى أيضا لغو وعبث.
وأما ما ذكره أخيراً ففيه ان لحاظ اللفظ آلة في مقام الاستعمال ، لا يستلزم أن يكون ملحوظاً كذلك في مقام الوضع للفرق بين المقامين.
وبكلمة واضحة : ان حال واضع اللفظ كحال صانع المرآة ومستعمله كمستعملها ، فكما أن صانع المرآة في مقام صنعها يلاحظها استقلالا من حيث الكم والكيف والوضع وفي مرحلة استعمالها تلاحظ آلياً ، فكذلك وضع الألفاظ واستعمالاتها من هذه الناحية. وعلى الجملة ان لحاظ اللفظ آلياً في مرحلة الاستعمال لا يلازم اعتبار وجوده وجوداً للمعنى حال الوضع بوجه.
(القول الثالث) : ما عن بعض مشايخنا المحققين ـ قدس الله أسرارهم ـ قال : «وقد لا يكون المعنى المعتبر تسبيبياً كالاختصاص الوضعي ، فانه لا حاجة في وجوده إلا إلى اعتبار من الواضع ؛ ومن الواضح أن اعتبار كل معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبيب كي يتسبب إلى اعتبار نفسه بقوله : (وضعت) ونحوه ؛ فتخصيص الواضع ليس إلا اعتباره الارتباط والاختصاص بين لفظ خاص ومعنى خاص. ثم إنه لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه وكونه بحيث ينتقل من سماعه إلى معناه مع حيثية سائر الدوال كالعلم المنصوب على رأس الفرسخ ، فانه أيضا ينتقل من النّظر إليه إلى ان هذا الموضع رأس الفرسخ ، غاية الأمر أن الوضع فيه حقيقي وفي اللفظ اعتباري بمعنى أن كون العلم موضوعاً على رأس الفرسخ خارجي ليس باعتبار معتبر ، بخلاف اللفظ فانه كأنه وضع على المعنى ليكون علامة عليه ؛ فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص على معنى خاص ، ومنه ظهر أن الاختصاص والارتباط من لوازم الوضع لا عينه ؛ وحيث عرفت اتحاد حيثية دلالة اللفظ مع حيثية دلالة سائر الدوال ، تعرف أنه لا حاجة إلى الالتزام بان حقيقة الوضع