وليس ذلك إلا الحروف أو ما يشبهها بالتقريب الّذي قدمناه من أن الواضع تعهد بذكر حرف خاص عند قصد تفهيم حصة خاصة من المعنى ، ففي كل مورد قصد ذلك جعل مبرزه حرفاً من الحروف على اختلاف الموارد والمقامات.
يتلخص نتيجة ما ذكرناه في أمور :
الأمر الأول : ان المعاني الحرفية تباين الاسمية ذاتاً ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد ، فانها متدليات بها بحد ذاتها وهي مستقلات في أنفسها ولا جامع بين الأمرين أصلا.
الأمر الثاني : ان معانيها ليست بإيجادية ، ولا بنسبة خارجية ، ولا بإعراض نسبية إضافية ، بل هي عبارة عن تضييقات نفس المعاني الاسمية في عالم المفهومية وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها بلا نظر إلى أنها موجودة في الخارج أو معدومة ممكنة أو ممتنعة. ومن هنا قلنا : إن استعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد.
والّذي دعاني إلى اختيار ذلك القول أسباب أربعة :
(السبب الأول) : بطلان سائر الأقوال والآراء.
(السبب الثاني) : ان المعنى الّذي ذكرناه مشترك فيه بين جميع موارد استعمال الحروف من الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد ، وليس في المعاني الأخر ما يكون كذلك كما عرفت.
(السبب الثالث) : ان ما سلكناه في باب الوضع من أن حقيقة الوضع هي : (التعهد والتباني) ينتج الالتزام بذلك القول لا محالة ، ضرورة ان المتكلم إذا قصد تفهيم حصة خاصة فبأي شيء يبرزه إذ ليس المبرز له إلا الحرف أو ما يقوم مقامه.
(السبب الرابع) : موافقة ذلك للوجدان ومطابقته لما ارتكز في الأذهان ، فان الناس يستعملونها لإفادة حصص المعاني وتضييقاتها في عالم المعنى ، غافلين عن وجود تلك المعاني في الخارج أو عدم وجودها وعن إمكان تحقق النسبة بينها أو عدم