دون اية واسطة خارجية فلا حاجة إلى إبرازها وإحضارها فيها إلى آلة بها تبرز وتحضر ، ضرورة انها لو لم تحضر بنفسها في الذهن واحتج في إحضارها فيه إلى آلة أخرى فتلك الآلة اما ان تكون لفظاً أو غير لفظ اما غير اللفظ فقد عرفت انه غير واف في إبراز المقصود في جميع موارد الحاجة ، واما اللفظ فلانا ننقل الكلام إلى ذلك اللفظ ونقول انه اما ان يحضر في الذهن بنفسه أو لا يحضر وعلى الأول فلا فرق بين لفظ دون لفظ بالضرورة ، وعلى الثاني فان احتاج إلى لفظ آخر فننقل الكلام إلى ذلك اللفظ وهكذا فيذهب إلى غير النهاية ، واما المعنى فهو يحضر فيه بتوسط اللفظ فالحاضر أولا في الذهن هو اللفظ وبتبعه يحضر المعنى ، فكل سامع للفظ الصادر من المتكلم ينتقل إلى اللفظ أولا وإلى المعنى ثانياً وبتبعه.
فعلى ضوء ذلك نقول : قد ظهر ان إطلاق اللفظ وإرادة شخصه أو نوعه أو صنفه أو مثله ليس من قبيل استعمال اللفظ في المعنى لا بالوضع النوعيّ ولا بالوضع الشخصي ، والوجه فيه هو أن الوضع مقدمة للاستعمال وإبراز المقاصد ولولاه لاختلت أنظمة الحياة كلها من (المادية والمعنوية) فتنظيمها وتنسيقها بشتى ألوانها وأشكالها متوقف على الوضع ، فان المعاني النفسانيّة التي تتعلق بها الأغراض المادية أو المعنوية لا يمكن إبرازها وإحضارها في الأذهان إلا بالجعل والمواضعة والتعهد بذكر الألفاظ عند إرادة تفهيم تلك المعاني ، ولذلك السبب فالوضع بصبح ضرورياً.
ومن هنا يتبين لك أن ما لا يحتاج إبرازه وإحضاره في الأذهان إلى واسطة بل يمكن إحضاره فيها بنفسه عند تعلق الغرض به فلا حاجة إلى الوضع فيه أصلا بل هو لغو وعبث.
وحيث ان اللفظ بنفسه قابل لأن يحضر في ذهن المخاطب بلا واسطة أي شيء فالوضع فيه لغو محض لا محالة.
وهذا بيان إجمالي لجميع الأقسام المذكورة.