هو الكلام حقيقة ، وهو قديم قائم بذاته تعالى ، ونزعم انه غير العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة ، والأمكنة ، والأقوام ، ولا يختلف ذلك المعنى النفسيّ ، بل نقول ليس ينحصر الدلالة عليه في الألفاظ ، إذ قد يدل عليه بالإشارة والكتابة ، كما يدل عليه بالعبارة ، والطلب الّذي هو معنى قائم بالنفس واحد لا يتغير مع تغير العبارات ، ولا يختلف باختلاف الدلالات ، وغير المتغير أي ما ليس متغيراً وهو المعنى مغاير للمتغير الّذي هو العبارات ، ونزعم انه أي المعنى النفسيّ الّذي هو الخبر غير العلم ، إذ قد يخبر الرّجل عما لا يعلمه ، بل يعلم خلافه أو يشك فيه وان المعنى النفسيّ الّذي هو الأمر غير الإرادة ، لأنه يأمر الرّجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا؟ فان مقصوده مجرد الاختبار ، دون الإتيان بالمأمور به وكالمتعذر من ضرب عبده بعصيانه ، فانه قد يأمره ، وهو يريد ان لا يفعل المأمور به ، ليظهر عذره عند من يلومه. واعترض عليه بان الموجود في هاتين الصورتين صيغة الأمر ، لا حقيقته ، إذ لا طلب فيهما أصلاً ، كما لا إرادة قطعاً ، فإذاً هو أي المعنى النفسيّ الّذي يعبر عنه بصيغة الخبر والأمر صفة ثالثة مغايرة للعلم والإرادة ، قائمة بالنفس ، ثم نزعم انه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى».
ومن الغريب جداً ما نسب إلى الحنابلة في شرح المواقف (١) وهذا نصه : «قال الحنابلة : كلامه حرف وصوت يقومان بذاته تعالى وانه قديم وقد بالغوا فيه حتى قال بعض جهلاً الجلد والغلاف قديمان فضلاً عن المصحف».
تتضمن هذا النص عدة خطوط : ١ ـ ان لله تعالى سنخين من الكلام : النفسيّ واللفظي ، والأول من صفاته تعالى ، وهو قديم قائم بذاته الواجبة
__________________
(١) الموقف الخامس من الإلهيات ص ٧٦.