وأما الثانية وهي الأفعال الاختيارية فقد تقدم انها تصدر بالاختيار وإعمال القدرة ، فمتى شاء الفاعل إيجادها أوجدها في الخارج ، وليس الفاعل بمنزلة الآلة كما سيأتي بيانه بصورة مفصلة. على انه كيف يمكن ان يثبت العادة في أول فعل صادر عن العبد فاذن ما هو المؤثر في وجوده فلا مناص من أن يقول ان المؤثر فيه هو إعمال القدرة والسلطنة ومن الطبيعي انه لا فرق بينه وبين غيره من هذه الناحية فالنتيجة ان ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري لا يرجع إلى معنى محصل أصلا هذا تمام الكلام في هذه الوجوه ونقدها.
بقي هنا عدة وجوه أخر قد استدل بها على نظرية الأشعري أيضاً.
(الأول) المعروف والمشهور بين الفلاسفة قديماً وحديثاً ان الأفعال الاختيارية بشتى أنواعها مسبوقة بالإرادة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انها إذا بلغت حدها التام تكون علة تامة لها ، وتبعهم في ذلك جماعة من الأصوليين منهم المحقق صاحب الكفاية وشيخنا المحقق قدسسرهما. فالنتيجة على ضوء ذلك هي وجوب صدور الفعل عند تحقق الإرادة واستحالة تخلفه عنها ، بداهة استحالة تخلف المعلول عن العلة التامة. وإلى هذا أشار شيخنا المحقق (قده) بقوله : «الإرادة ما لم تبلغ حداً يستحيل تخلف المراد عنها لا يمكن وجود الفعل ، لأن معناه صدور المعلول بلا علة تامة ، وإذا بلغت ذلك الحد امتنع تخلفه عنها ، والا لزم تخلف المعلول عن علته التامة» وقال : صدر المتألهين «ان إرادتك ما دامت متساوية النسبة إلى وجود المراد وعدمه لم تكن صالحة لأحد ذينك الطرفين على الآخر ، واما إذا صارت حد الوجوب لزم منه وقوع الفعل» ومراده من التساوي بعض مراتب الإرادة كما صرح بصحة إطلاق الإرادة عليه ، كما ان مراده من صيرورتها حدّ الوجوب بلوغها إلى حدها التام ، فإذا بلغت ذلك الحد تحقق المراد في الخارج وقد صرح بذلك في غير واحد من الموارد ، وكيف كان