نعم لو كان تعلق امرين بهما في عرض واحد وعلى وجه الإطلاق لكان ذلك مستلزماً لطلب الجمع بينهما لا محالة. ولكن أين هذا من تعلق امرين بهما على نحو الترتب بان يكون أحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً بعصيان الأول وعدم الإتيان بمتعلقه ، لأنك عرفت ان اجتماع الأمرين كذلك لا يستلزم طلب الجمع بين متعلقيهما بل هو في طرف النقيض معه وينافيه ويعانده ، لا انه يقتضيه كما مر.
وعلى الجملة فالغرض من بيان هذه الجهة الإشارة إلى هذين الأمرين أعني بهما دفع الخيال المزبور وانه لا مجال له أصلا. وامتياز المقام عن الصور المتقدمة وان فعلية الأمرين في تلك الصور تستلزم طلب الجمع لا في المقام كما عرفت.
الجهة الرابعة ـ (وهي الجهة الرئيسية لأساس الترتب وتشييد كيانه) قد ذكرنا غير مرة ان الخطابات الشرعية بشتى اشكالها لا تتعرض لحال موضوعاتها وضعاً ورفعاً وإنما هي تتعرض لحال متعلقاتها على تقدير وجود موضوعاتها ـ مثلا ـ خطاب الحج كما في الآية المباركة لا يكون متعرضاً لحال الاستطاعة ، ولا يكون ناظراً إليها وجوداً وعدماً ، وإنما يكون متعرضاً لحال الحج باقتضاء وجوده على تقدير وجود الاستطاعة وتحققها في الخارج بأسبابها المقتضية له ، فلا نظر له إلى إيجادها ، ولا إلى عدم إيجادها ـ أصلا ـ ولا إلى انها موجودة أو غير موجودة. وكذا خطاب الصلاة ، وخطاب الزكاة وما شاكلهما ، فان كلا منها لا يكون متعرضاً لحال موضوعه ، لا وضعاً ولا رفعاً ، ولا يكون مقتضياً لوجوده ولا لعدمه ، وإنما هو متعرض لحال متعلقه باقتضاء إيجاده في الخارج على تقدير وجود موضوعه.
والسر في ذلك هو ان جعل الأحكام الشرعية إنما هو على نحو القضايا الحقيقية ومعنى القضية الحقيقية هو ان ثبوت المحمول فيها ووجوده على تقدير وجود الموضوع وثبوته ، ونسبة المحمول فيها إلى الموضوع وضعاً ورفعاً نسبة لا اقتضائية