وبعبارة واضحة قد تعرضنا في غير موضع أن لكل حكم مرتبتين ولا ثالث لهما.
الأولى ـ مرتبة الجعل والإنشاء وهي جعله لموضوعه على نحو القضية الحقيقية من دون تعرضه لحال موضوعه وجوداً وعدماً. ومن هنا قلنا ان كل قضية حقيقية ترجع إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له. ومن الواضح جداً ان التالي لا يكون ناظراً إلى حال الشرط وجوداً ولا عدماً ، بل هو ثابت على تقدير تحققه في الخارج ، وكذا الحكم لا يكون ناظراً إلى حال موضوعه أصلا ، بل هو ثابت على فرض تحققه ، وهذا معنى كون الموضوع مأخوذاً في القضية الحقيقية على نحو فرض وجوده.
الثانية ـ مرتبة فعلية الحكم وهي تتحقق بفعلية موضوعه في الخارج ووجوده ضرورة ان فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه وتحققه. ومن هنا قلنا ان نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علته ، فكما ان فعلية المعلول تدور مدار فعلية علته ، فكذلك فعلية الحكم تتبع فعلية موضوعه.
فالنتيجة على ضوء هذا البيان ان في موارد التزاحم لا تنافي بين الحكمين بحسب مرتبة الجعل أصلا ، بداهة انه لا تنافي بين جعل وجوب إنقاذ الغريق للقادر على نحو القضية الحقيقية وحرمة التصرف في مال الغير كذلك ، كيف فان عدم التنافي بين الدليل الدال على وجوب الإنقاذ والدليل الدال على حرمة التصرف في مال الغير من الواضحات الأولية ، وكذا لا تنافي بين جعل وجوب الصلاة للقادر ووجوب الإزالة له. وهكذا ، فالتنافي في مورد التزاحم إنما هو في مرتبة فعلية الأحكام وزمن امتثالها ، ضرورة أن فعلية كل من حكمين متزاحمين تأبى عن فعلية الآخر ، لاستحالة فعلية كليهما معاً.
وسره ان القدرة الواحدة لا تفي إلا بإعمالها في أحدهما ، فلا تكفي للجمع بينهما في مقام الإتيان والامتثال. وعليه فلا محالة كان اختيار كل واحد منهما في