هذا المقام يوجب عجزه عن الآخر فيكون الحكم الآخر منتفياً بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ من دون تصرف في دليله أصلا.
والوجه في ذلك ما ذكرناه غير مرة من ان الخطابات الشرعية تستحيل ان تتعرض لحال موضوعاتها نفياً وإثباتاً ، وانما هي متعرضة لبيان الأحكام على تقدير ثبوت موضوعاتها في الخارج. ومن هنا قلنا ان الخطابات الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية ، ومفادها مفاد تلك القضايا ، مثلا الأدلة الدالة على ثبوت الأحكام للحائض أو النفساء أو المستطيع أو ما شاكل ذلك لا يتكفل شيء منها لبيان حالها وجوداً أو عدماً وإنما هي متكفلة لبيان الأحكام لها على تقدير تحققها في الخارج ، ولذا ذكرنا ان كل دليل إذا كان ناظراً إلى موضوع دليل آخر نفياً أو إثباتاً حقيقة أو حكما لا يكون أي تناف بينه وبين ذلك الدليل ، وذلك كما في موارد الورود والحكومة ، ضرورة ان مفاده ثبوت الحكم على تقدير تحقق موضوعه خارجاً.
ومن الواضح ان نفي الحكم بانتفاء موضوعه لا يكون من رفع اليد عن دليله الدال عليه ، فانه إنما يكون في مورد التعارض حيث ان فيه نفي الحكم عن الموضوع الثابت ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومقامنا من قبيل الأول ، فان التكليف حيث انه مشروط بالقدرة يستحيل ان يكون ناظراً إلى حالها وجوداً أو عدماً ، بل هو ناظر إلى حال متعلقه ومقتض لوجوده ان كان التكليف وجوبياً والبعد عنه ان كان تحريمياً ، وعليه فكون المكلف قادراً في الخارج أو غير قادر أجنبي عن مفاد الدليل الدال عليه ، فلا يكون انتفاؤه بانتفاء القدرة من رفع اليد عن دليله ومنافياً له ، ضرورة ان ما لا اقتضاء له بالإضافة إلى وجود القدرة وعدمها لا يكون منافياً لما هو مقتض لعدمها ، كما هو واضح.
نعم لو كان هناك دليل دل على انتفائه مع ثبوت موضوعه لكان منافياً له وموجباً لرفع اليد عما دل عليه ، إذ هذا مقتض لثبوته ، وذاك مقتض لعدمه فلا يمكن ان يجتمعا في موضوع واحد ، ولكنهما عندئذ صارا من المتعارضين