وما ذكرناه سابقاً ـ من ان ما هو أسبق زماناً يتقدم على غيره ـ انما هو فيما إذا كان التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطاً بالقدرة شرعاً ، لا فيما إذا كان مشروطاً بها عقلا. ونقطة الفرق بينهما هي انه على الأول بما ان كلا منهما مشروط بالقدرة شرعاً ، ففي فرض المزاحمة لا مناص من الأخذ بما هو سابق زماناً على الآخر ، حيث ان ملاكه تام بالفعل من ناحية انه مقدور للمكلف عقلا وشرعاً ، ومعه لا عذر له في تركه أصلا. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انه لا يجب احتفاظ القدرة على الواجب المتأخر ، لفرض ان القدرة دخيلة في ملاكه ، فيستحيل أن يقتضى احتفاظها.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي انه لا بد من الإتيان بالمتقدم زماناً دون المتأخر. ومن الواضح ان الإتيان به يوجب عجزه عنه ، فيكون التكليف به منتفياً بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ وعلى الثاني بما ان كلا منهما مشروط بالقدرة عقلا ، فلا يكون سبق أحدهما زماناً على الآخر في فرض المزاحمة من المرجحات ، لما عرفت من أن ملاك الواجب المتأخر حيث انه تام في ظرفه ـ كما هو المفروض ـ فلا محالة يقتضى الاحتفاظ عليه في ظرفه في مقابل افتضاء الواجب الفعلي.
واما بناء على وجهة نظر شيخنا الأستاذ ـ قده ـ من استحالة الواجب التعليقي وعدم إمكانه فتقديم الأهم على المهم إذا كان متأخراً عنه زماناً يرتكز على إحراز الملاك فيه في ظرفه من دليل خارجي ، فان علم من الخارج اشتماله على الملاك ، كما إذا دار الأمر بين امتثال واجب فعلى كحفظ مال المولى ـ مثلا ـ وواجب متأخر كحفظ نفسه أو حفظ بيضة الإسلام ، أو ما شاكل ذلك من الواجبات التي قد اهتم الشارع بها غاية الاهتمام على نحو الإطلاق من دون اختصاص بوقت دون آخر ، فلا إشكال في تقديم الأهم على المهم ، وان كان متأخراً عنه زماناً ، لتمامية ملاكه الإلزامي في وقته. وقد عرفت استقلال العقل باحتفاظ القدرة عليه في ظرفه وعدم جواز صرفها في الواجب الفعلي ، ففي أمثال هذه الموارد لا فرق بين نظريتنا