ثم ان المحقق الخوانساري (قده) قد فصل بين الضد الموجود والضد المعدوم وربما نسب هذا التفصيل إلى شيخنا العلامة الأنصاري (قده) أيضاً بدعوى ان وجود الضد إنما يتوقف على عدم الضد الآخر إذا كان موجوداً ، لا مطلقاً بمعنى ان المحل إذا كان مشغولا بأحد الضدين فوجود الضد الآخر في هذا المحل يتوقف على ارتفاع ذلك الضد ، واما إذا لم يكن مشغولا به فلا يتوقف وجوده على عدمه ونتيجة ذلك هي ان عدم الضد الموجود مقدمة لوجود الضد الآخر دون عدم الضد المعدوم.
بيان ذلك : ان المحل اما أن يكون خالياً من كل من الضدين ، واما أن يكون مشغولا بأحدهما دون الآخر ، فعلى الأولى : فالمحل قابل لكل منهما بما هو مع قطع النّظر عن الآخر ، وقابلية المحل لذلك فعلية فلا تتوقف على شيء ، فعندئذ إذا وجد المقتضى لأحدهما فلا محالة يكون موجوداً من دون توقفه على عدم وجود الآخر ـ مثلا ـ إذا كان الجسم خالياً من كل من السواد والبياض فقابليته لعروض كل منهما عليه عندئذ فعلية ، فإذا وجد مقتضى السواد فيه فلا محالة يكون السواد موجوداً ، من دون أن يكون لعدم البياض دخل في وجوده أصلا ..
فالنتيجة : ان وجود الضد في هذا الفرض لا يتوقف على عدم الضد الآخر وعلى الثاني ـ فالمحل المشغول بالضد لا يقبل ضداً آخر في عرضه ، بداهة ان المحل غير قابل بالذات لعروض كلا الضدين معاً. نعم يقبل الضد الآخر بدلا عنه ، وعليه فلا محالة يتوقف وجود الضد الآخر على ارتفاع الضد الموجود ، ضرورة ان الجسم الأسود لا يقبل البياض كما ان الجسم الأبيض لا يقبل السواد ، فوجود البياض لا محالة ـ يتوقف على خلو الجسم من السواد ليقبل البياض ، وكذا وجود السواد يتوقف على خلوه من البياض ، ليكون قابلا لعروض السواد ، وهذا بخلاف الضد الموجود فانه لا يتوقف على شيء عدا ثبوت مقتضية.