والمصانع وما شاكلها مما شاده المهندسون والفنانون في شتى ميادين العلم ، فانها بعد أن انتهت عمليتها بيد هؤلاء الفنانين والعمال تبقى إلى أمد بعيد من دون علة مباشرة لها. وكالجبال والأحجار والأشجار ونحوها من الموجودات الطبيعية على سطح الأرض فانها باقية ولم تكن في بقائها بحاجة إلى علة مباشرة لها.
والخلاصة : ان المناقش قد عارض قانون التعاصر بظواهر تلك الأمثلة التي تكشف بظاهرها عن ان المعلول لا يحتاج في استمرار وجوده وبقائه إلى علة ، بل هو باق مع انتفاء علته.
والجواب عن تلك المناقشة : انها قد نشأت عن عدم فهم معنى العلية فهما صحيحاً كاملا. وقد تقدم بيان ذلك ، وقلنا هناك ان حاجة الأشياء إلى مبدأ وسبب كامنة في صميم ذاتها ولا يمكن أن تملك حريتها بعد حدوثها.
والوجه في ذلك هو : ان علة تلك الأشياء والظواهر حدوثاً غير علتها بقاء. وبما ان المناقش لم ينظر إلى علة تلك الظواهر لا حدوثاً ولا بقاء نظرة عميقة صحيحة وقع في هذا الخطأ ، لأن ما هو معلول للمهندسين والبناءين وآلاف العمال في بناء العمارات والدور وصنع الطرق والجسور والوسائل المادية الأخرى من المكائن والسيارات وغيرها إنما هو نفس عملية صنعها وتصميمها نتيجة عدة من الحركات والجهود التي يقوم بها العمال ونتيجة تجميع المواد الخام من الحديد والخشب والآجر وغيرها من المواد لتصنيع السيارات وتعمير العمارات وتركيب سائر الآلات ، وهذه الحركات هي المعلولة للعمال والصادرة عنهم ولذا تنقطع تلك الحركات بمجرد اضراب العمال عن العمل وكف أيديهم عنها.
واما بقاء تلك الظواهر والأشياء على وضعها الخاصّ فهو معلول لخصائص تلك المواد الطبيعية وحيويتها ، وقوة الجاذبية العامة التي تفرض عليها المحافظة على وضعها. نظير اتصال الحديد بما فيه القوة الكهربائية فانها تجذب الحديد بقوة