وقد تلخص : ان الأشياء ـ بشتى ألوانها واشكالها ـ خاضعة للمبدإ الأول خضوعاً ذاتياً. وهذا لا ينافي ان يكون تكوينها وإيجادها بمشيئة الله تعالى وإعمال قدرته كما فصلنا الحديث ـ من هذه الناحية ـ في بحث الطلب والإرادة. وقد وضعنا هناك الحجر الأساسي للفرق بين زاوية الأفعال الاختيارية وزاوية المعاليل الطبيعية.
ثم انا لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا صحة نظرية ان منشأ الحاجة هو الحدوث في الموجودات التكوينية وانها تملك حريتها في البقاء ولا تخضع لمبدإ ، إلا انها بديهية البطلان في الأفعال الاختيارية التي هي محل الكلام في المسألة ، ضرورة ان الفعل الاختياري يستحيل بقاؤه بعد ارتفاع الإرادة والاختيار إذاً لا وجه للتفصيل بين الضد الموجود والمعدوم.
ويجدر بنا ان نختم الحديث عن مقدمية عدم الضد للضد الآخر وعدم مقدميته وقد عرفت استحالة مقدميته. هذا بحسب الصغرى.
واما الكبرى وهي وجوب مقدمة الواجب. فقد تقدم الكلام فيها ، وقلنا هناك انه لا دليل على ثبوت الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدمته ، وما ذكروه من الأدلة على ذلك قد ناقشناها واحداً بعد واحد ، بل ذكرنا هناك ـ مضافاً إلى ان الوجدان حاكم بعدم ثبوت الملازمة بينهما ـ ان إيجاب المقدمة شرعاً لغو محض فلا يترتب عليه أثر أصلا.
الوجه الثاني ـ قد استدل بعضهم على ان الأمر بشيء يقتضى النهي عن ضده بان وجود الضد ملازم لترك الضد الآخر ، والمتلازمان لا يمكن اختلافهما في الحكم بان يكون أحدهما واجباً والآخر محرماً ، وعليه فإذا كان أحد الضدين واجباً فلا محالة يكون ترك الآخر أيضا واجباً ، وإلا لكان المتلازمان مختلفين في الحكم وهو غير جائز.
أقول : هذا الدليل أيضا مركب من مقدمتين :
الأولى ـ صغرى القياس ، وهي ثبوت الملازمة بين وجود شيء وعدم ضده.