وغير خفي : انا قد ذكرنا غير مرة انه لا طريق لنا إلى إحراز ملاكات الأحكام الواقعية ، وجهات المصالح والمفاسد في متعلقاتها ، مع قطع النّظر عن ثبوت تلك الأحكام. نعم في لحظة ثبوتها نستكشف اشتمال متعلقاتها على الملاك بناء على ما هو الصحيح من تبعية الأحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد الواقعيتين. واما إذا سقطت تلك الأحكام فلا يمكننا إحراز ان متعلقاتها باقية على ما كانت عليه من الاشتمال على الملاك ، إذ كما نحتمل أن يكون سقوطها من جهة المانع مع ثبوت المقتضى لها نحتمل أن يكون من جهة انتفاء المقتضى وعدم ثبوته ، فلا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر.
وعلى الجملة فالعلم بوجود مصلحة في فعل أو مفسدة تابع لتعلق الأمر أو النهي به ، فمع قطع النّظر عنه لا يمكن العلم بان فيه مصلحة أو مفسدة. ومن هنا قلنا : إن الملازمة بين إدراك العقل مصلحة ملزمة ، غير مزاحمة في فعل أو مفسدة كذلك ، وحكم الشارع بوجوبه أو حرمته ، وان كانت تامة بحسب الكبرى بناء على وجهة مذهب العدلية كما هو الصحيح ، إلا ان الصغرى لها غير متحققة في الخارج ، لعدم وجود طريق للعقل إلى إدراك الملاكات الواقعية ، فضلا عن انها غير مزاحمة ، وعليه فإذا سقط الأمر أو النهي عنه فلا يمكن الجزم ببقاء الملاك فيه ، وان سقوط الأمر أو النهي من جهة وجود المانع لا لأجل انتفاء المقتضى ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون سقوطه من جهة انتفاء المقتضى.
وسر ذلك هو ان العلم بالملاك معلول للعلم بوجود الأمر ، فهو يتبعه في السعة والضيق إذ لا يمكن أن تكون دائرة المعلول أوسع من دائرة علته.
وعلى ذلك الأساس فلا يمكن إحراز ان الفرد المزاحم مشتمل على الملاك ، فان الطريق إلى إحرازه هو انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها عليه فإذا لم تنطبق الطبيعة عليه كما هو المفروض لم يمكن إحراز وجود الملاك فيه ليكون عدم الانطباق مستنداً إلى عدم إمكان تعلق الأمر بها على نحو تعمه لا لقصور فيه ، إذ