هذه عقلي ، فان الحاكم بالجواز أو الامتناع فيها انما هو العقل ، بملاك تعدد المجمع في مورد التصادق والاجتماع ووحدته فيه ، وليست للفظ آية صلة في البحث عنها ، والبحث في المسألة الآتية لفظي ، بمعنى ان النهي المتعلق بعبادة ، هل يدل على فسادها أم لا.
ولكن هذا الخيال خاطئ جدا وغير مطابق للواقع قطعاً. والوجه في ذلك :
اما أولا فلأن هذه المسألة تغاير تلك المسألة ذاتاً ، فلا اشتراك لهما ، لا في الموضوع ولا في المحمول ولا في الجهة ولا في الغرض ، وهذا معنى الامتياز الذاتي ومعه لا نحتاج إلى امتياز عرضي بينهما ، وهو ان البحث في إحداهما عقلي وفي الأخرى لفظي ، فان الحاجة إلى مثل هذا الامتياز انما هو في فرض الاشتراك بينهما ذاتاً ، واما إذا فرض انه لا اشتراك بينهما أصلا فلا معنى لجعل هذا جهة امتياز بينهما ، كما هو واضح.
واما ثانيا فلما سيجيء عن قريب إن شاء الله تعالى من ان البحث في تلك المسألة أيضاً عقلي ، ولا صلة له بعالم اللفظ أبدا ، ضرورة ان الجهة المبحوث عنها فيها انما هي ثبوت الملازمة بين حرمة العبادة وفسادها وعدم ثبوت هذه الملازمة. ومن الواضح جدا ان البحث عن تلك الجهة لا يختص بما إذا كانت الحرمة مدلولا لدليل لفظي بل يعم الجميع ، بداهة ان المبحوث عنه في تلك المسألة والمهم فيها انما هو البحث عن ثبوت الملازمة وعدمه. ومن المعلوم انه لا يفرق فيه بين ان تكون الحرمة مستفادة من اللفظ أو من غيره ، وان كان عنوان البحث فيها على ما حرره الأصحاب قديماً وحديثاً يوهم اختصاص محل النزاع بما إذا كانت الحرمة مدلولا لدليل لفظي الا ان هذا من جهة الغلبة ، حيث ان الحرمة غالباً مستفادة من اللفظ دون غيره ، كما هو ظاهر.