وبعد ذلك نقول : انه لا تنافي بين إيجاب الجامع بين شيئين ، وحرمة الجمع بينهما لا بحسب المبدأ ولا بحسب المنتهى. اما بحسب المبدأ فلأنه لا مانع من قيام مصلحة ملزمة بالجامع بينهما وقيام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما ، ضرورة ان المانع انما هو قيام كلتيهما في شيء واحد ، لا قيام إحداهما بشيء والأخرى بشيء آخر وهذا واضح. واما بحسب المنتهى فلفرض ان المكلف قادر على امتثال كلا التكليفين معا ، لأنه إذا أتى بأحدهما وترك الآخر فامتثل كليهما. وعليه فلا تنافي بينهما أصلا ، أي لا في المبدأ ولا في المنتهى. هذا بناء على ما حققناه في بحث الواجب التخييري من ان الواجب هو الجامع بين فعلين أو افعال.
واما بناء على ان يكون الواجب هو كل واحد منهما بخصوصه ، غاية الأمر عند الإتيان بأحدهما يسقط الآخر فائضاً لا تنافي بينهما ـ أعني بين الواجب التخييري كذلك والحرام التخييري اما بحسب المنتهى فواضح. واما بحسب المبدأ فلأنه لا منافاة بين قيام مصلحة في كل واحد منهما خاصة بحيث مع استيفاء تلك المصلحة في ضمن الإتيان بأحدهما لا يمكن استيفاء الأخرى في ضمن الإتيان بالآخر وقيام مفسدة بالجمع بينهما في الخارج كما هو ظاهر.
ونتيجة ما ذكرناه هي ان ملاك النزاع في المسألة يعم جميع أنواع الإيجاب والتحريم ما عدا الإيجاب والتحريم التخييريين.
السابعة ـ قد يتوهم انه لا بد من اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع في هذه المسألة ، ضرورة انه بدونه يلزم التكليف بالمحال. بيان ذلك هو انه لا إشكال في اعتبار القدرة في متعلق التكليف واستحالة توجيهه نحو العاجز ، غاية الأمر اعتبارها على وجهة نظرنا انما هو من ناحية حكم العقل في ظرف الامتثال فحسب لا مطلقاً وان المكلف في هذا الظرف لا بد ان يكون قادرا ، ولا يحكم باعتبار قدرته مطلقاً حتى في ظرف الجعل ، كما انه لا يحكم باعتبار القدرة في متعلقه بان