وحيث ان الأول والثاني غير معقول فيتعين الثالث ـ غير صحيح ، لما عرفت من ان هنا شقا رابعاً وهو تعلق الأمر بأحدهما لا بعينه المعبر عنه بالجامع الانتزاعي وهو قابل لتعلق التكليف به كما سنتعرض له عن قريب إن شاء الله ، غاية الأمر ان المكلف مخير في تطبيقه على هذا الفرد أو ذاك (ورابعا) على تقدير تسليم ان الواجب هو الجميع إلا ان لازم ذلك هو تعدد العقاب عند ترك الجميع وعدم الإتيان بشيء منها ، ضرورة ان الجائز هو ترك كل منها إلى بدل لا مطلقا ، كما مر آنفا.
فالنتيجة ان هذا القول بكلا تفسيريه لا يرجع إلى معنى صحيح.
المذهب الثالث هو ما اختاره المحقق صاحب الكفارة (قده) وإليك نصّ كلامه : «والتحقيق ان يقال انه ان كان الأمر بأحد الشيئين بملاك انه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الأمر كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا لا شرعيا ، وذلك لوضوح ان الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين ، لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول ، وعليه فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي لبيان ان الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين. وان كان بملاك انه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه كان كل واحد واجبا بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته من عدم جواز تركه إلا إلى الآخر وترتب الثواب على فعل الواحد منهما والعقاب على تركهما ، فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه مصداقاً ولا مفهوما ، كما هو واضح ، إلا ان يرجع إلى ما ذكرناه فيما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأول من ان الواجب هو الواحد الجامع بينهما لا أحدهما معينا ، مع كون كل واحد منهما مثل الآخر