العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ، ولا يكاد يكون موضوعا له ، إلّا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها (١).
«رابعها» (٢) : أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء والشرائط ؛ إلّا إن العرف يتسامحون ـ كما هو ديدنهم ـ ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض ، تنزيلا له منزلة الواجد.
فلا يكون مجازا في الكلمة ـ على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة ـ بل يمكن دعوى صيرورته (٣) حقيقة فيه ، بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات ؛ من
______________________________________________________
(١) أي : من العبادات.
(٢) هذا رابع الوجوه في تصوير الجامع على مذهب الأعمي.
توضيح ذلك : أن ألفاظ العبادات وإن كانت وضعت ابتداء للمعاني الصحيحة بمعنى : تامة الأجزاء والشرائط ؛ إلّا إن العرف ـ لبنائهم على المسامحة في استعمال الألفاظ ـ أطلقوا تلك الألفاظ على المعاني الفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط تنزيلا للفاقد منزلة الواجد ؛ بمعنى : أنهم ادعوا أن الموضوع له هو الجامع بين الواجد والفاقد ، ولأجل هذا التنزيل والادعاء لا يكون إطلاقهم هذا من المجاز في الكلمة ـ أي : استعمال اللفظ في غير ما وضع له بأن يكون من باب تسمية الجزء باسم الكل ـ بل حقيقة ادعائية أي : بمعنى : استعمال اللفظ في معناه الحقيقي ادعاء ، والمجاز إنّما هو في الإسناد فقط كما هو مذهب السكاكي في باب الاستعارة ؛ حيث أنكر كون المجاز في الكلمة فيها وادعى فيها الحقيقة ، وإن المجاز إنّما هو في الإسناد فيقال في المقام : إن الموضوع له للفظ الصلاة ابتداء هو المركب من عشرة أجزاء مثلا ؛ لكن العرف أطلقوها على الناقص منها بجزء أو جزءين مثلا تنزيلا له منزلة الواجد ، بمعنى : أنهم ادعوا أن الموضوع له هو الجامع بين التام والناقص ، وهذا نظير أسامي المعاجين الموضوعة بإزاء الواجد لتمام ما له دخل فيها ، ثم تطلق عرفا على فاقد بعض الأجزاء مسامحة تنزيلا له منزلة الواجد. كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ١٢٢» ، مع تصرف منّا.
(٣) أي : صيرورة إطلاق تلك الألفاظ على الفاقد حقيقة في الفاقد بعد الاستعمال في الفاقد «كذلك» أي : تنزيلا له منزلة الواجد ، وغرض المصنف من قوله : «بل يمكن دعوى ...» إلخ هو الترقي من كونها حقائق ادعائية في فاقد الأجزاء والشرائط إلى كونها حقائق اصطلاحية فيه بنحو الوضع التعيّني ؛ الحاصل من الأنس الحاصل لأجل المشابهة في الصورة ، أو المشاركة في الأثر. فقوله : «للأنس» تعليل لعدم الحاجة إلى الكثرة والشهرة.