وفيه (١) : أن الصحيح ـ كما عرفت في الوجه السابق ـ يختلف زيادة ونقيصة ، فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس عليه كي يوضع اللفظ لما هو الأعم ، فتدبر جيدا (٢).
ومنها : (٣) أنّ الظاهر : أن يكون الوضع والموضوع له ـ في ألفاظ العبادات ـ عامين ، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد (٤) جدا ، لاستلزامه كون استعمالها في
______________________________________________________
(١) الإشكال هو نفس الإشكال الذي سبق في الوجه الرابع ، وهو : أن قياس ألفاظ العبادات بألفاظ المقادير والأوزان قياس مع الفارق ، وهو أن الصحيح بمعنى تام الأجزاء مضبوط ومعلوم في المقادير والأوزان ، هذا بخلاف ألفاظ العبادات حيث إن الصحيح بمعنى تام الأجزاء والشرائط لا يكون مضبوطا فيها في جميع الحالات ، بل يختلف باختلافها ، فليس هناك ما هو مضبوط من الصحيح ، كي يلاحظ التام والناقص بالنسبة إليه حتى يوضع لفظ الصلاة للأعم منهما.
(٢) قوله : «فتدبر» تدقيقي إشارة إلى دقة ما سبق بقرينة قوله : «جيدا».
فالمتحصل : أن الصحيح الذي يلاحظ الزيادة والنقصان بالإضافة إليه يختلف في باب العبادات كما عرفت دون باب المقادير والأوزان.
(٣) الرابع من الأمور التي ينبغي أن يذكر قبل أدلة القولين : هو عمومية الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات كأسماء الأجناس.
(٤) أي : احتمال كون الموضوع له في ألفاظ العبادات خاصا بعيد جدا ؛ لأحد أمرين على نحو منع الخلو :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «لاستلزامه كون استعمالها في الجامع» أي : أنه تستلزم مجازية استعمال ألفاظ العبادات في الجامع ؛ في مثل : (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ ،) و «الصلاة معراج المؤمن» ، و «عمود الدين» ، و «الصوم جنّة من النار» لكون هذا الاستعمال من استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون مجازا.
وجه المجازية : أنه لو كان الموضوع له خاصا كان استعمالها في العام سببا لتجريد المعنى عن الخصوصية فيكون الاستعمال في غير ما وضع له ، ثم كون الاستعمال مجازا بعيد جدا ، لأنّ المجاز يتوقف على لحاظ العلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي ، وعلى القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي ، فانتفاؤهما في المقام يدل على انتفاء المجاز.